|


مسلي آل معمر
آباؤنا.. لسنا هنا.. أين أنتم؟
2017-08-08

بعد صراع طويل مع المرض، انتقلت إلى رحمة الله تعالى هيبة المعلم الكبير الذي علمنا، ذهبت هيبة معلمينا الأجلاء عبد العاطي وفتحي ومحمود وغيرهم، الذين كان نتاج تعليمهم أطباء ومهندسين ووزراء، قامت على أيديهم هذه البلاد، ونحن نعزي في هيبة المعلم لا يفوتنا أن نأسف على أحوال هيبة الأب، حيث تعاني حاليا من هزال شديد ينذر بنهاية وشيكة على مرأى من نظريات التربية الحديثة.

 

أزعم أنني مهتم إلى حد ما بالإصدارات التي تتحدث عن تربية الصغار، لا يمكن أن أحدد السبب الرئيسي لهذا الاهتمام لكنه لا يخرج عن قناعتي بأن الأجيال الجديدة هي رأس المال البشري لأي دولة أو أمة، فمتى ما تعلم الصغار ونشأوا تنشئة صحيحة كان العائد على الوطن والمجتمع كبيراً.

 

وفي هذا الصدد، هناك شبه إجماع لدى منظري التربية الحديثة على خطأ استخدام الشدة والصرامة مع الصغار والمراهقين من الأبناء أو الطلاب، وهذه النظريات بالفعل تتمدد وتضرب أطنباها في المجتمع، حتى أصبح الابن هو من يدير والده، وهو من يحدد الاتجاه الصحيح والاتجاه الخاطئ، لا أبالغ إذا قلت إن الصغير الذي أدمن وسائل التواصل والأجهزة الذكية أصبح يشعر بالعيش في عالم افتراضي عنوانه: لا أتعب.. لا أعمل.. لا أتكلف.. أي بعد أن ذهبت هيبة المعلم، هاهي هيبة الأب تذوب وتتلاشى كفص الملح الصغير حينما يرمى في البحر.

 

لا أدري من أصدق؟ عيني وعقلي من جهة أو نظريات خبراء التربية من جهة أخرى، عيني وعقلي يقولان إن الأب كان صارماً وهو يوقظنا لصلاة الفجر، كنا نفزع من نومنا لمجرد سماع أصوات قدميه في الأرض مقبلة نحونا، كان جاداً وهو يحرم لعب الكرة لأن لدينا واجبات دراسية، كان شديداً وهو يضع (البلوت) من المحظورات لأنها تسرق الوقت المخصص للدراسة، وفي الوقت ذاته كان العم قاسياً وهو يسجن ابن العم لأنه لم ينجح في المرحلة المتوسطة، مما دفعه لاستيعاب الدرس، حتى أصبح الأول على الفصل في السنة التالية حتى تخرج من الجامعة بمرتبة الشرف!.

 

كان نتاج هذه الصرامة فئات من العصاميين الناجحين، لكن من من هؤلاء اتبع سياسة الآباء مع الأبناء؟.

 

أعلم أن كثيرين سيختلفون معي لكنني أقول: آباؤنا.. هل نحن هنا؟ .

 

والإجابة سأتركها للزمن لعله ينتزعها من أجيالنا الجديدة.