لم يكن واضحاً تماماً الحديث الهامس الذي دار بين نائب رئيس نادي الهلال عبدالرحمن النمر، ورئيس نادي التعاون محمد القاسم، الذي سجلته (الموسم الماضي) كاميرا هاتف نقال، من دون أن ينتبها لوجودها، كما يبدو!.
كان نائب الرئيس الهلالي يرمي الأسئلة داخل حديثه (وهو يضحك) عن مكافآت ضخمة وضعت على قائمة الوعود بالسداد، ثمناً لهزيمة فريقه.. وكما تقول الشائعات، فإن هذا المال كان السعر "المُعَدّ" لتعطيل فوز الأزرق ببطولة الدوري.
ردَّ الرئيس التعاوني على الضحكة الهلالية الطيِّبة، بأخرى لا تقل عنها طِيباً وطيبةً، وقال كلاماً يشبه النفي (أو هو كذلك فعلاً)، لكن كلمة واحدة من هذا الكلام كله كانت واضحةً، لا شك فيها، هي "نصَّابين".. وربما ـ أقول ربما ـ أنه سبقها بكلمتين أقل وضوحاً: "لا يهمونك، كلهم.."، ووفقاً لاختلاط الشك واليقين عندي، فإن العبارة كاملة تصبح هكذا: "لا يهمونك، كلهم نصَّابين"!.
لا أعلم من كان يقصد "القاسم" تحديداً بكلامه "القاصم"، لكن هؤلاء "النصَّابين" لن يكونوا (في حديثٍ أُجريَ على حافة ملعب كرة قدم) إلا لاعبين أو مدربين أو رؤساء أندية واتحادات، وأعضاء مجالس إدارات، أو أعضاء شرف، وإعلاميين.. في كل دائرة من هذه الدوائر السبع، يوجد 10 "نصَّابين" على الأقل!.
لو جرب أحدنا الدخول إلى ذاكرة التاريخ ساعة واحدة فقط، وفتش في دفاترها على عجل، سيجد عشرات الآلاف من الكذبات التي تؤذي العقل والروح لفرط سُخفها وغبائها.
"كلهم نصَّابين"، كلمتان ثقيلتان على اللسان، لكنهما صحيحتان، هذا الأسبوع (مثلاً) خرج ظهير توتنهام هوتسبير الإنجليزي (الأيسر) داني روز، عن طوره، وأطلق "ثورة" في ساحات الكلام، قال داني: "عمري الآن 27 عاماً، وغيابي 6 أشهر بسبب الإصابة، جعلني أفكر بشكل أكبر، وصلت للقمة، وربما تبقى لي عقد واحد كبير ينتظرني! الوقت يمضي وأريد الفوز بالبطولات، لا أريد أن ألعب كرة القدم 15 عاماً ولم أفز بأي ميدالية أو بطولة.. آسف لن أكون سعيداً بذلك، إذا وصلني عرض مُناسب من فريق ما سأكون واضحاً جداً مع إدارة النادي، سأرحل"!.
لم يقل داني روز كلاماً خاطئاً أبداً، لكن حين نقارنه بما قاله قبل أقل من عام، فإنه يصبح من زمرة "النصَّابين"!.
في 22 سبتمبر 2016 قال داني روز، وهو الفرِح جداً بتوقيع عقده الجديد: "أنا سعيد، الكل يعلم أن النادي يسير في الاتجاه الصحيح، سوف أبقى هنا حتى أصبح عجوزاً".
وبين سأبقى حتى أصبح عجوزاً، وبين سأرحل قبل أن أصبح عجوزاً، تولد قبيلة من الكاذبين، هذه القبيلة لا تولد فجأة، ولا دفعة واحدة، لكننا لاهون عن تكاثرها، أو غير آبهين به، مع أننا ننحاز غالباً للكاذب أو لكذبته، لأننا لا نعلم كيف جاء وكيف جاءت، أو لا نتذكر ذلك!.
في 29 يوليو 2016، قال المهاجم الفرنسي عثمان ديمبلي: "أنا سعيد جداً مع بوروسيا دورتموند الألماني، ولا أفكر في خلع قميصه، وغير مهتم أبداً بما يقال عن انتقالي إلى برشلونة".. بعد ذلك بعام وأسبوعين، قاطع عثمان ديمبلي التدريبات، وإدارة ناديه أمهلته أياماً معدودات ليعود له رشده، ويعود هو إلى التدريبات، لكن لا أحد منهما عاد إلى موضعه ووضعه الطبيعي، فصدر قرار بإيقافه إلى أجل غير مسمى
تُرى، لماذا قاطع ديمبلي التدريبات، وأغلق كل الطرق المؤدية إليه؟!.
الجواب سهل، ومضحك: لأنه يريد الانتقال إلى برشلونة!.
.. في كرة القدم السعودية، توجد سلالة بشرية من "النصَّابين".. كم "نصَّاباً" تعرفونه منهم حتى الآن؟!.