خمس مباريات بنت جسر الوصول إلى نهائيات كأس العالم، فقد كان أمام إيران "93" وقطر "97" وتايلاند "2001" وأوزباكستان "2005" واليابان "2017" سبقتها مباريات الدور التمهيدي، ثم الدور النهائي، شارك خلالها لاعبون ومدرّبون وأجهزة طبية وإدارية واتحادات كرة، خسر بعضهم تذوق طعم الإنجاز؛ لعدم ضمّهم لقائمة المونديال، أو لم تكتب لهم المشاركة في المباريات، أو الانضمام إلى الوفد، وابتسم الحظ لآخرين لم يكونوا في مرحلة التأهل، ولكنهم نالوا شرف المشاركة بعد إلحاقهم بقائمة المونديال.
في المشاركة المقبلة أيضًا، لن تضم القائمة عددًا من العناصر التي ساهمت في الوصول، وسيلتحق بالمنتخب في روسيا أسماء لم تشارك في مهمة التأهل؛ ما يجعل الأمر طبيعيًّا هذه المرة أيضًا، على الرغم ممّا قد يلحق به من تأويلات، معظمها لا يرتقي إلى أن يكون بالحجم الذي تم تناوله سابقًا، أو ما سيتم مستقبلًا؛ لأن الأمر يتطلب ذلك بالفعل، فالتحضير إلى اللعب في المونديال، لا بد أنّ له ما يلزمه، والذي يختلف عن مرحلة ما قبله.
لكن ما أثير حول معدل أعمار اللاعبين غير منطقي من حيث المبدأ، فلا يمكن أن تكون الأشهر التي تسبق المونديال مقنعة للتسليم بأن اللاعب الذي شارك بفاعلية، ونجح في أن يكون أحد فرسان التأهل، أصبح في أشهر غير قادر أو غير مناسب لأن يكمل عطاءه بالكفاءة ذاتها، ما لم يثبت ذلك فعليًّا خلال الفترة الفاصلة بين المهمتين، أو يبرز لاعب يفوقه عطاءً وإمكانات وخبرة وقدرة على الانسجام، وكل هذه المواصفات رهن تقدير المدير الفني، وهو من يستطيع اتخاذ القرار، بعيدًا عن أيّ جهةٍ أخرى أيًّا كانت.
لا نريد من أحد أن يبدّد فخرنا بالتأهل للمونديال والمشاركة مع أفضل 32 منتخبًا في العالم بالسؤال المفخخ "ماذا سنقدم في روسيا؟"، ولا حتى برفع سقف التوقعات لما سيقدمه المنتخب خلال هذه التظاهرة الكروية التي ستتقاطر وفودها إلى روسيا مزهوّين، ومن حقهم لمجرد الوصول والمشاركة، وكلّ منهم يحمل توقعاته بقدر ما يمكنه فعله، مع أمل بتحقيق ماهو أكثر إن سانده التوفيق ولعبت ظروف المباريات إلى جانبه، هذا ليس استسلامًا، بل تحفز واستنفار، وبهما يمكن أن تتجاوز الممكن الذي إن عرفته جيدًا، يمكنك تخطيه إلى "غير الممكن" الذي كنت تظنه أو يظن فيك.
غموض المنتخب السعودي في مونديال 94، ساهم في أن يخوض تجربته الأولى بنجاح، أيضًا عدم وجود أيّ ضغوط على عناصره، كونها المشاركة الأولى، فجّر طاقتهم الكاملة، وهذا لا يلغي أن لاعبيه كانوا مجموعة متنوعة من ناحية الموهبة والمهارة والقتالية والتناغم، كل هذا وفّر أرضية مثالية لأن يُثبتوا أكثر على أرض الميدان بعد افتتاحية رائعة أمام هولندا، يسّرت لهم المواجهة االناجحة أمام المغرب، وفعل الهدف الأسطوري للدولي سعيد العويران مفعول السحر أمام بلجيكا؛ للانتقال إلى الدور التالي، والذي خرج منه أمام السويد الأقل مستوى من هولندا وبلجيكا؛ لأنه كان قد استنفد كل ما لديه من القدرة والدافعية، أو حتى سلاح المفاجأة؛ لتستمر مشاركاته المونديالية الثلاث نتيجة لذلك أضعف ودون أيّ نتائج مفاجئة أو جيدة.
نحن في مشاركتنا الخامسة، نحتاج إلى خطة إعداد تبدأ بدراسة وتحليل ما سبق بقراءة فنية دقيقة وفاحصة لا تعتمد على ما علق في الأذهان من روايات بطولية تم نسجها في سجالات بين مشجعين أو إعلاميين، بل إلى حقائق وأرقام، وعرض مشاهدات محفوظة أسماء وأفعال مدوّنة؛ لنستخلص منها ما إذا كان الظهور الجيد أو الضعيف من الأسباب التي تقال أم غير ذلك؛ من أجل أن تكون لنا مشاركة بيضاء، بغضّ النظر عمّا ستسفر عنه النتائج.