|


د. رشيد بن عبد العزيز الحمد
ثقافة الصغار ورؤية الوزير
2009-03-12
تعد أزمة القيم من سمات عصرنا الحاضر، فبالرغم من التقديم العلمي الكبير الذي وصل إليه الإنسان، إلا أنه لم يتحقق له ما ينشده من توازن نفسي، بل إنه ساعد على اهتزاز القيم بداخله مما نتج عنه أزمة قيمية نظرا لطغيان المادة على ما حولها من قيم ومبادئ، ومع غياب ثقافة لغة الحوار في عالم الكبار وازدياد مناطق الصراع والمنازعات في العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبحت معه ثقافة السلام ضرورة ملحة ولم يعد بثه للكبار سهلا بعد أن تشبعت ثقافتهم بالعنف بل أصبحت جزءاً من شخصيات البعض، وحقيقة سرني تصريح وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود، وهو يعلن أن من ضمن أجندته للوزارة الاهتمام بطفل اليوم ورجل الغد وأمل المستقبل، حيث إن هذه المرحلة في الواقع تعد من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان لتحديد اتجاهاته وميوله وسلوكياته، كما تزداد قابلية الطفل للتعلم من خلال البيئة المحيطة به. والمتأمل في الواقع التربوي لدينا يجد ضعفا ملموسا لطلابنا في القيم التعبدية، الأخلاقية، الاجتماعية، الوطنية، وقد يرد هذا الضعف إلى التغيير الكبير في المجتمعات في ظل الثورة التقنية المتسارعة، التي جعلت من العالم قرية صغيرة متقاربة، فامتزجت الثقافات وتقاربت.
وبلادنا ولله الحمد ارتكزت التربية فيها على قيم الإسلام المستمدة من الكتاب والسنة، الهادفة إلى تنشئة الفرد تنشئة صالحة، فبنيت مناهجنا الدراسية على القيم الخيرة والمبادئ السامية، ومع ما تحمله المحتويات الدراسية من قيم سامية، إلا أن بعضا من معلمي التعليم لا يتمثلون هذه القيم ولا يستطيعون إيصالها لطلابهم، بل ربما لايملكون القدرة على استخراجها من النصوص وتوظيفها في حياة الطلاب .
فمرحلة ما قبل المدرسة يمكن استغلالها في إكساب الطفل الخبرات والاتجاهات الإيجابية والسلوكيات المرغوبة، وذلك وفق خطط وأنشطة مدروسة تنمي بيئة الطفل المتكاملة جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا، ولقد أقرت اتفاقية حقوق الأطفال سنة 1990م التي وقعت عليها 120 دولة وتركز في صلبها على قيمة احترام حقوق الإنسان وعلى إعداد الطفل لحياة يشعر فيها بالمسؤولية في مجتمع حر بروح من التفاهم والسلم والتسامح، وتربية الأطفال يجب أن تشمل قيم الإنسان والتفاهم واحترام الاختلاف والرأي الآخر، ثم إعداد الأطفال من خلال توفير فرص تربوية تشجع تأكيد الذات وتعلم قيم التعاون واحترام الآخرين، فالهدف هو طفل يمارس السلام دفاعا وهجوما وليس مجرد طفل يستطيع التحدث بطلاقة، فمن الضروري أن نعتمد على تعليم الطفل من خلال خبراته المعاشة أكثر من تعلمه من خلال التلقين المباشر،
وقد أثبتت العديد من الدراسات قديما وحديثا أهمية اللعب في نمو الطفل من جميع الجوانب، فهو يساعد الطفل على التعامل مع أقرانه والتعاون معهم وتكوين العلاقات الإنسانية السوية، ولأن الطفل يتعلم أكثر من خلال اللعب فيمكن القول إن اللعب ينمي علاقات الطفل مع أقرانه فيسهم بشكل إيجابي في نموه الاجتماعي، مما يجعل الطفل عضوا فاعلا في المجتمع مع التفاعل مع البيئة المحيطة التي تبرز شخصية الطفل بشكل أنماط سلوكه وقدراته ونمو شخصيته وينمي لديه الجانب الأخلاقي . غير أنه مع تعقد الحياة الاجتماعية وانشغال الآباء اتسعت الفرصة لتدخل وسائل أخرى لتشكيل سلوكيات الطفل، فمن السهل أن يتعلم أطفالنا الحياة المتمثلة في سلوكيات الإسلام من خلال الروضة أو ما قبل المدرسة لبث السلوكيات المرغوبة لأنشطة اللعب والتأثير على نمو الأطفال، فالأحلام الكثيرة هي الخطوة الأولى للواقعية . تمنياتنا للوزير بالتوفيق وأن يكلل هذا التوجه بالنجاح.. والله الموفق.