إن واقع كل دولة يجب أن يواكب ما يحدث في عالم اليوم، حتى يستطيع أن يشارك وينافس ويؤثر فيما يحدث من متغيرات تتسارع وتيرتها كل يوم، ولعل المدرسة هي الحاضن الأول والأساس للتغيير. فالاهتمام بالثقافة الرياضية في المدارس هو المدخل الأساس للتطوير في أي مجال، حتى يمكن إعداد المواطن الصالح في سن مبكرة في شتى الجوانب البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية المكونة لشخصيته.. في إطار من القيم التربوية العليا التي تمتزج وتنصهر مع جوانب الشخصية الأخرى للفرد، لتشكل ذلك الإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير ممن خلق وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي. ولعل معظم المربين يتفقون بأن الرياضة المدرسية أصبح لها دور أساسي وهام في ظل التوجه الجديد في الرئاسة العامة لرعاية الشباب وعزمها على التطوير الشامل لكل أنواع الرياضة، وأملنا بأن تكون البداية لهذا التوجه المبارك منطلقة من الرياضة المدرسية، ولعل الجميع يتفقون أن الأساس وهو الرياضة المدرسية هو المنطلق الصحيح للتطوير الشامل لكل أنواع الرياضة، ولابد أن تكون آليات هذا التطوير واضحة جداً في ذهن من يعملون في مجال التربية البدنية المدرسية وبالذات في الميدان التربوي من مشرفين ومعلمين للتربية البدنية على اعتبار أن الأساس لاكتشاف الموهوبين والمتميزين والمبدعين والمتفوقين رياضياً يكون في سن الدراسة، إلا أن هذا التطوير الذي نتمناه لن يتحقق إذا بقيت الأحوال كما هي، لأن بعض معلمي التربية البدنية قد لا يريدون التطوير جملة وتفصيلاً أو حتى تطوير أفكارهم بالمستجدات المشاهدة في دول العالم عن التربية الرياضية المدرسية، ويسطحون المفاهيم عن التربية البدنية في التعبير العامي (طقها وألحقها) ومما زاد الطين بلة افتقارهم الشديد للاستراتيجيات بصفتهم القائمين على التربية البدنية، فطغى العمل العشوائي وتمحورت اهتماماتهم في الابتسام والاصطفاف أمام آلات التصوير في كل المناسبات دون الاهتمام بالعمل النوعي، إضافة للافتقار الشديد أيضاً للمحاسبية كلياً فضلاً عن عدم وجود آلية لها، ولو تأملنا عن كثب في التربية البدنية في المدارس بل وكل الميدان التربوي لرأينا أن الحصيلة بطولات ومسابقات لا ترتقي بالرياضة المدرسية إطلاقاً، بل ترسخ السلوكيات السيئة التي ينتج عنها التعصب الرياضي للأندية والفرق الرياضية داخل المملكة وخارجها، ولك أن تتخيل التوجهات التي تتبناها وزارة التربية والتعليم حالياً وفي أهم مشروع من مشروعاتها وهو (مشروع تطوير المناهج)، وحجم ما يعد من عمل ولجان للتطوير حالياً من خلال تطوير التطبيقات المهنية التربوية للتربية البدنية المدرسية من خلال تطبيق مناهج جديدة مطورة للتربية البدنية هذا العام الدراسي 1430 ـ 1431 ويستمر تطبيقها العام المقبل، إذا أخذنا في الاعتبار أن مناهج التربية البدنية لم تتطور منذ ثلاثين سنة حيث ظلت تقليدية جامدة ومملة، ولعلاج ذلك ستضمن المناهج جديدة التوجهات الإيجابية الحديثة في بناء المناهج، مثل: مهارات التفكير، ومهارات حل المشكلات، ومهارات التعلم الذاتي، والتعلم التعاوني، والتواصل الجيد مع مصادر المعرفة وتنمية المهارات الأدائية من خلال التركيز على التعلم من خلال العمل والممارسة الفعلية للأنشطة ورفع مستوى التعليم الأساسي الابتدائي والمتوسط، وتوجيهه لإكساب الفرد الكفايات اللازمة الضرورية لحياته الاجتماعية والدراسية والعلمية، ليتفاعل بإيجابية مع التطورات التقنية المعاصرة وبخاصة في عصر الانفجار المعرفي والثورة المعلوماتية، وإتاحة الفرصة للطلاب لاختيار الأنشطة المناسبة لقدراتهم وميولهم وحاجاتهم، لكن للأسف الشديد أن ما يحدث على أرض الواقع سيعيق تطبيق التطوير في واقع تجزئة مادة التربية البدنية إلى جزأين نشاط ومادة، وكل جزأ يغني على ليلاه، وفهم النجاح على أنه في مسابقات لرياضة كرة القدم تحمل وتمجد أسماء الشركات الراعية وكل هدف معروف مسبقاً وهو الكسب المادي والإعلامي وإشغال المعلمين والمشرفين طوال العام في ركض لإنجاح تلك المسابقات التي لاتسمن ولا تغني من جوع، وإهمال أدوارهم الأساسية التي ينبغي أن تكون للطلاب، والسؤال المهم الذي يجدر بنا أن نجيب عليه عملياً هو لماذا لا يطلق شعار العودة بالنشاط الرياضي للمدرسة من خلال أنشطة حرة وأنشطة مرتبطة بالمهارات والوحدات التي يتعلمها الطالب كما هو سابقاً؟ حيث كانت المدرسة هدفاً للمشاهدة والمتعة، وعليه نرى أن الدول التي أهملت وضع استراتيجية للتربية البدنية لتعليم الطلاب المهارات والمعارف المختلفة داخل المدرسة، لم يصبح لديها رياضة متطورة ولا رياضة مدرسية ناجحة، والحق يقال بأن الرياضة المدرسية هذا العام الدراسي 1430 ـ 1431 قد حظيت بدعم لم يسبق له مثيل.. بإنشاء صالات رياضية وملاعب مزروعة فضلاً عن إنشاء صالة رياضية في كل منشأة جديدة، ولعلها فرصة مناسبة للاستفادة من الدعم والاهتمام الذي تجده الرياضة المدرسية من وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد المهتم بالرياضة والرياضيين.. وفقه الله لخدمة أبنائه الطلاب في بلادنا الغالية.