|


أحمد المطرودي
عندما يضيق الحب
2010-02-09
في الماضي لم يكن الشخص يعرف توجهات قرائه إلا بصعوبة من خلال الرسائل البريدية التي تصل إليه وقد تتأخر قراءته للرسائل بعد أن يمضي وقتاً طويلاً على نشر المقال وشخصياً كنت أستمتع في الماضي بعشرات الرسائل البريدية التي تصلني لأتعرف على ماذا يفكر القارئ وكيف يقيِّم ما تكتبه والآن أصبحت ردود الفعل سريعة جداً وأي شخص لديه فكرة أو تعليق على ما كتبته لديه القدرة على إيصال ما يريد وبطرق مختلفة، فإما أن تصحو صباحا فتجد تعليقا على مقالك عن طريق جوالك الخاص قبل أن تطالعه في الصحيفة أو عن طريق خدمة الرسائل التي تتيحه لك الصحيفة أو من خلال نشر المقال في بعض المنتديات ومن ثم تطالع التعليقات على ما كتبته أو ما صرحت به من خلال لقاء تلفزيوني ولكن الفارق بين رسائل الماضي والحاضر يبدو مختلفا، ففي الماضي لم يكن أحد يراسلك في البريد إلا أشخاصاً يؤيدونك ويحبونك فتجد عباراتهم تحمل الحب والاقتناع والرضا بما تكتب إلا من رسائل قليلة يهاجمك أصحابها لأنك خالفتهم في الميول أو في وجهات النظر لأن الذين يختلفون معك أو يخالفونك يرون عدم استحقاقك بكتابة رسالة تكلفهم الوقت والجهد فيسعون للتنفيس عما يريدونه لأحبابهم وأصحابهم الذين يوافقونهم في نفس الميول ولأن النفس البشرية جبلت على المجاملة وعدم المواجهة بالسلبيات فمن الصعب أن تصلك انتقادات هؤلاء إلا من خلال أشخاص قريبين يحاولون تمرير ما يريدونه من خلال استخدام بعض الأساليب غير المباشرة، أما الآن فعصر التكنولوجيا اختلف تماما لأن بإمكانك معرفة آراء عشرات الأشخاص بما تكتب خلال دقائق معدودة وحتى الظهور التلفزيوني وما تطرح فيه من آراء تجد أن بعض المنتديات تتحدث عما تقوله وأنت ما زلت على الهواء مباشرة فتسعدك بعض ما تطرحه هذه المنتديات وتحزنك أخرى ليس لأنها جاءت انتقاداً لشخصك ولكن لأنها عبرت عن شريحة من المجتمع لا تعرف الحب أبداً ولا تجيد التعاطي مع اختلاف وجهات النظر وقد يكتب الشخص كلاما جارحا بحق الآخرين ويرمي عليهم التهم جزافاً لمجرد اختلاف بسيط في الآراء وقد تجاهل هؤلاء أن كلامهم سيحاسبون عليه يوم القيامة وأن عليهم أن يتسامحوا من الأشخاص الذين اغتابوهم في هذه المنتديات ولا شك أن هذه السلبيات ظهرت لأن القوس أعطي غير باريه والأمور أوكلت لغير أهلها فضاق عليهم الحب وتحولت قلوبهم إلى بؤرة لتصدير الحقد والكراهية والأنانية.
البعض ممن يفسرون المواقف حسب عقلياتهم وأمزجتهم وأغراضهم الإسقاطية مطبقين كل يرى الناس بعين طبعه فلا وجود لحسن النوايا عندهم ولا أرضية لاختلاف وجهات النظر ولا تقبل لميول الآخرين وانتمائهم وقبل أن يفكر بما تطرح ويناقش الفكرة والمضمون ويرد عليك بالحجج والبراهين يبحث عن ميولك ومقاصدك من هذه الكتابة أو ذاك الطرح، فمرة أنت هلالي متعصب تريد استمرارية المرزوقي لكي تدمر الاتحاد أو نصراوي حاقد على الهلال أو متلون ترغب في التقرب من أصحاب المال والنفوذ أو حاقد على الأهلي لأنه هزم ناديك المفضل أو تجامل الشباب من أجل عيون رئيسه خالد البلطان، وهكذا تستمر الظنون وتضيع الحقيقة ولا يمكن للقارئ أن يستفيد والعلاج في نظري أن يقيم الإنسان حسب سلوكياته وتصرفاته وليس من خلال ظنون وتجارب سابقة فليس كل حبل داب يمكن أن تلدغك ثانية، فهناك أشخاص قلوبهم كبيرة وانتماءاتهم فاخرة وحبهم كبير وحروفهم مضيئة تصدع بالحق وتتمنى الخير للجميع فلماذا نكبت أصواتهم ونفتح المجال لمن يزيد الجراح ويعمق الفجوة ويعطي الأرضية الخصبة لزرع شوك التعصب في طرقات مجتمعنا الذي كان مضربا للمثل في الوفاء والتضحية والتواصل والحب الصادق البعيد عن مصالح وقتية.