|


أحمد المطرودي
هل أفلت جيرتس من العقوبة؟
2010-03-23
مشكلة البعض في التعامل مع نصوص القانون تعتمد على حفظ عباراته ويعتقد هؤلاء أن مجرد الحفظ لهذه النصوص يعني الفهم والإدراك لمواد القانون وهنا يقع هؤلاء بمشاكل كبيرة في كيفية تفسير هذه المواد ومن يعتمد الحفظ في التعاطي مع نصوص القوانين تكون أحكامه على الأمور جامدة ومتصلبة دون استيعاب لحقيقة الموقف وما تستدعيه الحاجة في التطبيق، والقانون يحتاج إلى كوادر قيادية رائدة قادرة على تنفيذه بما يحقق الغاية منه فليس الغاية هو تطبيق القانون بنصوصه الجامدة بقدر ما يكون للفائدة دور في تطبيق ما يحقق المصلحة العامة والمشتركة بعيداً عن الميول والعواطف والأهواء والأحكام المتسرعة المعتمدة على ردود الأفعال والمواقف الطارئة وهنا على القائد أن يعرف ما هي الغاية من وضع هذا القانون أو ذاك وتحقيقه على أرض الواقع وليس بالضرورة تنفيذه بحذافيره وتطبيقه على المخطئ نصاً كما جاء في اللوائح بل الواجب معرفة الوضع الخاص للمخطئ ومن ثم تنفيذ ما يمكن أن يحقق الفائدة المشتركة دون إيقاع الضرر بالمخطئ بل يكون الهدف هو تقويم المعوج وإصلاح الخلل ومساعدة المخطئ على التراجع والعودة للطريق الصحيح حينما يفكر المربي أو القائد في إقصاء المخطئ والانتقام منه خرج بأسلوبه عن الإطار الحقيقي والمنطقي للإصلاح وتحول إلى منفذ فقط لتعليمات جامدة وهذا قد نلاحظه في بعض المواقف التي نشاهد الكثير من الناس يلهثون حول البحث عن إيقاع أشد العقوبة على المخطئ دون التفكير بعلاجه وإيصاله إلى الطريق السليم ودائماً في المواقف التي تحدث في ملاعبنا تجد أن البعض حفظ نصوص القانون وخرج ليسل سيفه بحثاً عن معاقبة فلان ومحاسبة علان دون التفكير بحجم الخطأ ونوعيته وكذلك الشخص الذي قام بالخطأ والزمن الذي حدث منه هذا الخطأ وأيضا الدوافع الحقيقية التي بسببها حصل منه هذا التجاوز بل هم يفكرون فقط في كيفية أن ينفذ هذا النص تجاه هذا الشخص أو ذاك معتمدين على قوة الحفظ لديهم وقدرتهم على المتابعة والتدقيق بتفاصيل اللوائح دون أن يكون لديهم الروح القيادية والفطرة التربوية الثاقبة التي تعتمد على المعالجة والإصلاح والتقويم وليس فقط الانتقام من المخطئ تماما كما حدث من مدرب الهلال جيرتس والذي وقع في خطأ بدخوله لأرض الملعب وهنا خالف نصوص القانون التي تمنع أي شخص من الدخول غير المسموح لهم من لاعبين وحكام وبعدها خرج الكثيرون يبحثون عن إيقاع أشد العقوبات تجاه هذا المدرب وهنا نسأل هؤلاء، حينما يمنع القانون دخول الأشخاص لأرضية الملعب إنما هو لغاية سامية وحقيقة وهي المحافظة على سلامة الموجودين في الملعب من لاعبين وطاقم تحكيم وكذلك حفظ الأمن وسلامة الجميع وإعطاء الملعب هيبته وتوازنه ولكن حينما يقوم المدرب الهلالي جيرتس وبحركة لا إرادية بالدخول لأرض الملعب لمنع مشكلة وتهدئة أحد أبنائه اللاعبين فهل نقوم بمعاقبته وهو العنصر الذي ساهم بتهدئة الأوضاع وإعادة المياه لمجاريها؟
ـ جيرتس بهذا التصرف قد حقق غاية رائعة يبحث عنها نص القانون الذي يطالب البعض بتطبيقه، فالقانون وجد لحماية اللاعبين وتحقيق الهدوء والتوازن وهذا هو الشيء الذي قام به المدرب وهو قائد تربوي يعتبر بالنسبة للاعبين بمثابة القدوة خاصة أن أخلاقيات هذا الرجل وتعامله الرائع وقدراته في التعامل تجعلنا نستوعب كثيراً هذا التصرف وهنا على القائد أن يفرق بين شخص دخل لتهدئة الأوضاع ومساعدة الحكام على الخروج بالمباراة إلى بر الأمان وبين آخر دخل لإثارة الفتنة وزيادة التوتر ورفع معدل المشاكل داخل أرض الملعب علينا حينما نحكم أن نفرق بين هذين الشخصين دون الدخول في التشكيك والنوايا فالقاضي لا يحكم بالظنون بل من خلال معطيات وأدلة وبراهين وحقائق وليس من الضروري أن يقوم القاضي بسلب الاعتراف من المخطئ حتى لو كان القاضي يدرك أن هذا الشخص كان مخطئاً ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فقد تلقى من ربه تشريعات سماوية تحدد له كل تصرف يقوم به ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم طبق هذه التشريعات بأسلوب قيادي وتربوي يحقق الغاية الحقيقية من هذه التشريعات، فالله سبحانه وتعالى شدد على تطبيق بعض الحدود ومع ذلك كان الرسول رحيماً وهو ينفذ هذه الحدود وتلك التشريعات.
ـ إننا في المجتمع الرياضي ننعم ولله الحمد بقيادة تربوية رائعة وناضجة لا يهمها الانتقام من الآخرين بل الصبر عليهم ومناصحتهم والبحث عن وصولهم إلى الطريق السليم رغم أنهم يملكون القرارات والقدرة على تنفيذها بحق هؤلاء من المخطئين لكن النظرة الأبوية الحانية تجعلهم دائما ينظرون للأمور بمنظار العاطفة والحب بعيداً عن الإسقاط أو الإقصاء.