|


أحمد المطرودي
البرازيل وحتمية التبديل
2010-07-06
من الاعتقادات الخاطئة في نظري اعتبار أن من السهل تدريب منتخب البرازيل فهو بطل بالفطرة وليس على المدرب سوى التمتع فقط بفن أبنائه اللاعبين وعطائهم داخل أرض الملعب وهزهم لشباك الخصوم، فالنجوم بالكوم والمواهب متناثرة هنا وهناك (ومن لا يشترى يتفرج)، ولكن هذه العوامل كلها صحيحة لكنها ليست السبب في جعل مهمة المدرب سهلة بل العكس هو الصحيح، فالمنتخب البرازيلي بما فيه من فرص متاحة للمدرب جعل مهمته هي الصعبة والشاقة فمن سيدرب البرازيل سيكون على نار ليست هادئة وصفيح ساخن ونقد مستمر فالإنجاز يظل عادياً ومتكرراً والإخفاق البسيط يتحول إلى كارثة وتعلق المشانق لانتظار المدرب السبب الرئيسي في هذا الإخفاق أو الفشل الذي قد يختزل بخسارة واحدة عابرة أياً كانت الظروف التي جاءت بالخسارة حتى لو كان هدفاً سجل باليد وليس بالقدم، ومن الصعوبات التي تواجه المدرب هو اختيار اللاعبيين لأن عليه أن يختار مجموعة من الأسماء التي تمثل البرازيل أو بالأحرى تمثل 100 مليون شخص، ومن هذه المئة مليون هناك عشرات الملايين الذين يجيدون لعبة كرة القدم هناك مئات الألوف الموهوبة في الأندية وفي جميع المراكز، فيجد المدرب نفسه في حيرة وقلق وخوف وترقب وتعب نفسي مثل ما قالوا (إذا أردت أن تحيره فخيره)، لأنه قد يختار اسماً ويتجاهل آخر قد يكون الأنسب والأفضل، وكلما زاد عدد اللاعبين المؤهلين لتمثيل المنتخب تفاقمت المشكلة وزادت الصعوبات وكثرت الآراء المختلفة والمتجاذبة وظهرت عشرات المقالات والتحليلات التي تنادي بإبعاد فلان وإدخال علان، وهنا لن يستطيع المدرب اختيار العناصر المتفق عليها لأنه بالتأكيد سيختار الأسماء المقنعة له شخصياً والتي تتمشى مع سياسته وتطبق تعليماته وتنجسم مع طرق وأساليب وتكتيك لعبه، والأهم احترام شخصيته داخل الملعب وخارجه ولا يمكن لأي مدرب أن يعالج تجاذب الرأي العام والصحافة البرازيلية إلا من خلال النتائج التي تجبر الأصوات المخالفة على السكوت والأصوات المتجاذبة على التصفيق وعندها تسلم الجرة وتنطلق الأفراح في الشوارع والحواري والأزقة ليحتفل مئة مليون عاشق بمنتخب بلادهم بالانتصارات المتعددة والبطولات المتكررة والإنجازات المستمرة، ولعل المدرب البرازيلي دونجا تعرض لكثير من الانتقادات وهو يريد من جميع اللاعبين أن يكونوا صورة مطابقة لشخصية دونجا اللاعب الذي كان منضبطاً وملتزماً داخل أرض المعلب وخارجه مطبقاً للتعليمات بحذافيرها، وقد مارس هذا التشديد عندما أسندت إليه مهمة تدريب المنتخب في عام 2006 فحول البرازيل من منتخب المهارات الفردية والمعتة الكروية وجمال الأداء وعناصر المواهب والنجوم إلى منتخب يعتمد التكيتك والانضباط والقوة الجسمانية والحذر الزائد من الخصم بغية الخروج بنقاط المباراة حتى لو كان ذلك على حساب المتعة والجمال التي ينتظرها ملايين البرازيليين وعشاق كرة القدم في كل مكان، ولهذا اعتمد دونجا على الصرامة والقوة والتشدد وظهر ذلك من خلال التحفظ على التمارين وإبعاد الإعلام عن الاقتراب من اللاعبين وظهرت شخصية دونجا من خلال اختياره للمعسكر في جنوب أفريقيا بعيداً عن الأنظار وأغلق التمارين عدة مرات وهو هنا يريد اللاعبين في مواصفات معينة يمكن لهم التحمل والصبر وطاعة المدرب وقد تفاجأ المتابعون بعد أن أخرج نجوم البرازيل أمثال رونالدينيو وأدريانو وأغلق أذنيه عن سماع أي رأي أو مطالبة بضم هذا الثنائي وعندما ظهر على السطح نجوم بارزة وصغيرة لم يكد يمنحهم الفرصة رغم المطالبات المتكررة، ولعل أبرز هؤلاء هو المهاجم المتميز نيمار نجم سانتوس الذي لفت الأنظار بمستواه الرفيع ولكن دونجا لديه قناعات مختلفة، كما تجاهل أيضاً المطالبات المستمرة بضم صانع الألعاب باولو هنريكي رغم احتياج المنتخب البرازيلي له فحول دونجا المتعة الفنية البرازيلية الحلوة إلى أخرى تحمل طابع القوة والصرامة وتطبيق قاعدة (اللي تكسبه العبه) وهو هنا يخالف تماماً كارلوس ألبرتو الذي يحب تجميع المواهب ورعايتهم وإعطائهم الفرصة في تقديم ما لديهم ولو تحول الأداء إلى استعراض ومهارات فردية فجمع بين الأداء الجميل بوجود النجوم البارزين وبين الإنجازات والنتائج القوية ولذا أطلق على نفسه (مدير المواهب)، وعموماً سيظل المدرب يكسب الجولة حتى تأتي الخسارة لتنسف كل شيء، فالمدرب البرازيلي دونجا كسب 40 مباراة وتعادل في 11 لقاء وخسر اللقاء السادس أمام هولند ورغم ذلك لم يكن ذلك شافعاً له أو طوق نجاة، فالخروج من دور الثمانية في النهائيات ضربة موجعة وقوية ومفاجئة وكان من الطبيعي أن يلغى عقده خاصة وأن عقده لأربع سنوات انتهى وعلى البرازيليين البحث عن مدرب يستعد لنهائيات 2014 خاصة أنها ستقام في البرازيل مما يعني ضرورة أن تحققها وإلا لأصبح ذلك كارثة تاريخية تهدد مستقبل الكرة ومصدر الرزق .. والتبديل والتغيير أصبح حتمياً لأن متوسط أعمار البرازيل 29 سنة مما لا يمكن معها الضمان لوجود أكبر عدد منهم في 2014.