|


أحمد المطرودي
نهائيات بول
2010-07-13
يبدو أن التاريخ سوف يسجل اسم "بول" ولن تنساه الجماهير التي أظن أنها سوف تطلق على هذه النهائيات اسم بول ذلك الإخطبوط العجيب الذي تمكن من توقع جميع المباريات بما فيها النهائي، واستطاع أن يلفت الانتباه بهذه التوقعات التي جعلت الجميع يتابع بحماس وشغف وأعصاب مشدودة وشخصياً توقعت وتمنيت فوز هولندا ليس لاعتبارات فنية ولكن من أجل مخالفة "بول" وللتأكيد على أن هذه التوقعات حتى لو صدقت فإنها خرافة وخزعبلات لا يمكن لأي شخص شرب من ينبوع العقيدة الصافية أن يصدقها، فعلم الغيب عند الله، ولكن هناك بعض التوقعات المستقبلية لكنها ليست بعلم غيب ولكن من خلال بعض المعطيات وإن كانت بعض الأمور لا تخضع للمعايير فالجماهير في العالم تدرك مدى الفوارق الفنية بين أسبانيا وهولندا وعندها فازت أسبانيا بالأكثرية بالترشيح، وإن رشح البعض فوز هولندا فهذا لا يعني الإيمان بقوة هولندا وقدرتها على تجاوز عقبة أسبانيا، ولكن من خلال أحاسيس معينة قد لا يكون لمعيار المستوى الفني أي دور فيها وكاد أن يتحقق ذلك، فطبيعة المباراة وطريقة أداء الفريقين توحي بأن هناك تفوقاً كبيراً للأسبان وكأن مهمة هولندا فقط كيفية المحافظة على المرمى وتعطيل هجمات الأسبان والاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة من العمق وكاد أن يسجل "روبن" من انفرادتين في المرمى المكشوف من المدافعين وأنقذ الموقف حارس المرمى ولو سجلت هذه الفرص أمام سيطرة الأسبان وتواضع هولندا إلا من فترات معينة في المباراة لسجلت البطولة لهولندا ونسي التاريخ السيطرة الأسبانية وهذا دائماً يحدث في عالم كرة القدم وإن كان ليس بقاعدة ثابتة لكنه يحدث كثيراً ففرق تلعب وتهاجم وتهدد ولا توفق في هز الشباك رغم الوصول المتكرر والقريب ومن فرصة واحدة للخصم يسجل منها ويخرج فائزاً وهذا ما يجعل هناك توقعات بفوز هولندا رغم الفوارق الفنية والمهارية والجماعية، وقد أثبتت الكرة الشاملة والجماعية التي لا تعتمد على المهارات الفردية فقط إنها هي التي تعطي المكاسب والنتائج، أما المنتخبات التي اعتمدت على مهارات فنية فقط فقد خسرت وهذا دليل على أن التطور في المستويات على مستوى العالم وتنوع طرق اللعب وتطورها جعل من الصعب على نجوم المهارات الفردية أن يمارسوا هوايتهم مثل ما كان في الماضي حيث النجم الواحد يستطيع أن يحقق بطولة لمنتخب بلده ولا يجد صعوبة في تجاوز أكثر من لاعب والوصول إلى المرمى لكن الآن قد يكون من النادر أن يتمكن أي نجم من فعل ذلك وهذا مؤشر على التطور في المستويات وليس العكس كما أشار لذلك بعض المحللين والغريب أن توصف هذه الدورة بضعف المستوى وربط هؤلاء بخروج المنتخبات العالمية الكبيرة أمثال فرنسا وإيطاليا ومن ثم عدم وصول ألمانيا والأرجنتين والبرازيل إلى النهائي وانحصار النهائي بين منتخبات لم تحصل على الكأس وهذا طبعاً يدل على تطور الفرق وقوتها والتزاحم على الحصول على الكأس وجاء التأثير النفسي قوياً على لاعبي المنتخبات من جراء الإقتناع المسبق لتوقعات "بول" فقد أصيب لاعبو ألمانيا بالإحباط والخوف وعدم الثقة بالنفس فجاءت الخسارة وكان التأثير وضغوط "بول" على لاعبي هولندا واضحاً وكأنهم يلعبون ليس للفوز ولكن لتعطيل فوز الأسبان فجاءت روحهم ضعيفة وقدرتهم على التهديف غير مركزة وهنا يظهر تأثير العامل النفسي على عوامل الفوز والخسارة رغم أن الكثيرين يستبعدون هذا العامل أو على الأقل لا يدرجونه ضمن مخططاتهم واستعداداتهم فما الذي يجعل الجماهير تتفاجأ ببعض النتائج رغم عدم وجود مدلولات فنية تحسم الوضع، فالمنتخب الألماني أبهر العامل بفوز كبير على الأرجنتين وبمستوى رفيع ورائع وأداء متكامل لكنه أمام أسبانيا كان وضعه مختلفاً تماماً.
الأحد الماضي كان ختاماً "لنهائيات بول" والتي اعتبرها بعض المتابعين والجماهير أنها ضعيفة المستوى ولا توجد فيها أية إثارة، وأنا أخالف هؤلاء وأقول إن هذه الدورة من أجمل وأمتع الدورات إثارة وجماهيرية وأحداث متعاقبة بدأت بالمفاجآت في النتائج وانتهت ببطل جديد وأظهرت أسماء منتخبات لأول مرة تشارك واستقبلت منتخبات خاسرة بالأفراح وجاءت أحداث منتخبات فرنسا وإيطاليا والجزائر بالكثير من المفاجآت وحتى وفاة حفيدة مانديلا وعدم حضوره الافتتاح وما حدث من مشاكل أمنية وأيضاً وجود مزمار الفوفوزيلا كلها إثارة سوف يشعر بها العالم في المستقبل وكلما مر وقت على الدورة زادت حلاوتها وطعمها ومذاقها والذين ينعتونها بالسوء سوف يتغنون بها سنوات فانتظروا.