|

رؤية 2030 آفاق عالمية للرياضة أرقام وإنجازات





د. محمد باجنيد
نعم.. في جلاسكو
2009-08-28
إنها الخامسة صباحاً بتوقيت جلاسكو.. المشهد بدا مألوفاً في ذلك الشارع الذي يؤدي إلى مسجد الفرقان في الحي الذي ظل يتعاقب على الإقامة فيه أعداد متزايدة من الطلبة السعوديين المبتعثين منذ أكثر من اثني عشر عاماً.. فتح عينيك حتى لا تصطدم بأحد المترنحين المارين على الرصيف أو حتى في وسط الطريق.. إنه وقتهم أيضاً.. يحتاجون إلى مساحة أكبر للحركة رغم بطئها الشديد.. يدرك أصحابنا.. سفراؤنا ذلك.. يخرجون (في ذمة الله) يمشون في الظلم.. يبتغون نور الله التام.. ما أسعدهم.. ما أجملهم من حمائم سلام.. وهل يجهل هذا الاسكتلنديون.. أجزم أن في كمراتهم التي لا يخلو منها شارع صوراً لهؤلاء الجميلين وهم يميطون الأذى عن الطريق.. ويفشون السلام.. يمشون على الأرض هوناً.. في الوقت الذي يهيم فيه سكراهم ـ وما أكثرهم ـ على وجوههم.. يشتمون ويضربون ويتقيئون على الأرصفة والجدران!
خرج أبو حسن (الدكتور وليد المالكي) من المسجد ليرى في نهاية الشارع الفرعي المطل على الشارع العام امرأة صومالية في لباس إسلامي محتشم تراقب الخارجين من المسجد، قبل أن يمر من خلفه صبيان ربما كان أحدهما في الحادية عشرة والآخر في الثالثة عشرة. اتجه الولدان وهما يقفزان ببراءة الصغار إلى تلك المرأة وألقيا عليها السلام.. فردت عليهما ووجهها يشع فرحة وأنساً!
من أين تأتي هذه المرأة بصبييها ليشهدا صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد؟!.. أبو حسن يعرف أين تسكن تلك المرأة.. ابناها يدرسان مع ابنه حسن في المدرسة الإنجليزية.. تحتاج إلى أكثر من نصف ساعة مشياً لتصل.. ليس لديها سيارة، ولا يوجد حافلات للنقل العام تتحرك في تلك الساعة المبكرة من اليوم.. لكنها تأتي بهم فرحة.. وتعود بهم أكثر فرحاً.
ها هي تنطلق مع ابنيها في أمان الله.. جاءوا من أجله وسيعيدهم سالمين غانمين أجرهم العظيم.
إنهم في ذمة الله.. في ضمانته وحمايته وأمانه.. وويل لمن يجرؤ على إلحاق الضرر بهم.. هذا أخونا أبو أنس (صالح الغامدي) رئيس النادي السعودي بجلاسكو يخرج في طريقه إلى البيت بعد أن صلى الفجر في المسجد قبل أن يفاجأ بشخص ضخم الجثة ينطلق نحوه ولا يوجد أدنى شك بأنه يريد الاعتداء عليه قبل أن تنشق الأرض عن رجلي شرطة كانا ربما يلاحقان الرجل.
نعم هنا في جلاسكو وبالقرب من مسجد الفرقان.. في ذلك الحي الذي يفضله المبتعثون السعوديون نشم شيئاً من ذلك العطر الذي يفوح في أحيائنا ويسطع قبس من ذلك النور الذي يغمرنا.. نعم هنا في جلاسكو تظهر هويتنا.. إنه الأنس الذي يطرد الوحشة ويخفف من ألم الغربة.