|


د. محمد باجنيد
(أبو موزة) وحصة الفاكهة
2010-01-22
رفض ناصر أن يحمل معه تلك الموزة التي (حشرتها) له أمه في حقيبة المدرسة (المنتفخة) بالكتب والدفاتر!.. قال لأمه بإصرار: يكفي ساندوتش جبنة يا أمي.. ثم راح ينظر إلى الموزة التي وضعها على الطاولة ويردد: تبغيهم يسموني أبو موزة؟!.. وقبل أن تسأل أم ناصر عن هذا المدعو أبو موزة ذهب ناصر يحكي لها كيف أن الأولاد في الفصل يسخرون من (رامي) زميله المصري الذي يحب الموز ويحضره دائماً معه في شنطته مع أصناف أخرى من الفاكهة.. يظلون يلاحقونه في (الفسحة).. (يزفونه) وهو يأكل موزته اللذيذة الغنية بالسكريات والفيتامينات والبوتاسيوم وقبل ذلك كله هرمون (الميلاتونين) الذي يستخدم كدواء للمحافظة على الشباب ومقاومة الشيخوخة.. ولأنهم لا يعرفون كثيراً عن فوائد موزة (رامي) نراهم يواصلون إضرابهم عن أكل الموز وباقي أنواع الفاكهة والخضار مفضلين عليها فطائر الجبنة الخالية من الجبنة والمليئة بالمواد الحافظة والألوان.. تجذبهم إليها تلك الأغلفة اللامعة من ورق السلوفان!.. حتى الحليب المفيد الذي يحبه ناصر لم يعد قادراً على حمله إلى المدرسة بعد أن وقف له (سعد) ساخراً وهو يهم بوضع المصاص.. يسأله مستنكراً في غباء: تشرب حليب يا ناصر؟!.. ولا أدري ماذا يريده أن يشرب؟!.. مشروباً غازياً أم عصيراً (خالياً من المواد الحافظة والألوان)!
إغراقنا في الشكل يجعلنا دائماً في عداء مع أنفسنا!.. كم من الأشياء المفيدة تركناها خوفاً من أعين الساخرين!.. إنها توجهات تنشاً مبكراً - كما ترون - ولا نكاد ننفك منها إذا كبرنا!.. ولكي نخلق التوجهات الإيجابية لا بد أن نؤسس لها منذ الصغر.. في البيت، والدور الأهم في المدرسة التي يقضي فيها الطالب والطالبة جل نهارهما. هناك في النموذج الغربي أدرك القائمون على التربية والتعليم أهمية تأصيل تلك التوجهات الخاصة بإقبال الصغار على تناول الفاكهة في غذائهم اليومي فراحوا يخصصون حصة لتناول الفاكهة.. يقدمون خلالها فاكهة الموسم طازجة للطلبة بلا مقابل.. لا أنسى في جلاسكو يوم جاءتني ابنتي (نور) حين كانت في الصف الثالث الابتدائي تطلب مني أن أحضر لها أنواعاً من الفاكهة اعتادت أن تتناولها مع الأطفال في المدرسة.. كان تحولاً مفرحاً بالنسبة لي ولوالدتها.. ما زالت نور تحب الفاكهة، ولكنها لا تجدها في مدارسنا.. عادت مستاءة تنتقد وجود فسحة واحدة فقط وذلك التزاحم الكبير على (المقصف).. يأكل جل وقتها فلا يبق لها سوى دقائق قليلة لتناول الوجبة التي غالباً ما يحول دون إكمالها والاستمتاع بها جرس العودة إلى الفصول.