|


د. محمد باجنيد
(بس دقيقة) بين التريث والتسويف
2011-09-02
أرسل إلى صاحبي القديم الجميل محمد المزيعل مقالة للكاتب (محمد عبد الوهاب جسري) عبر رسالة بريدية. محور المقالة كان حكمة (ثمينة) أهدتها امرأة ستينية لرجل بعد أن منحها (يورو) واحد كان سيبقيها خارج المحطة ولا يسمح لها بأن تسافر على الحافلة رغم أنها كانت تملك ثمن تذكرة السفر.. تلك هي الأنظمة في المحطة.. الحكمة التي أصرت المرأة على بيعها لذلك الرجل بـ (يورو) واحد كانت نظير شهامته، حيث دفع عنها دون أن تطلب منه. الموضوع لم يكن مادياً بالنسبة لهذه المرأة لأن المبلغ كان بسيطاً.. مسارعة ذلك الرجل لمساعدتها دونما تفكير جعلها تشعر بكريم صنعه ورغبتها في رد الجميل.
“بس دقيقة” كانت هي الحكمة، وطلبت منه أن يظل يتذكرها. في كل أمر يريد أن يتخذ فيه قراراً.. واصلت تقول: “عندما تفكر في أي أمر وعندما تصل إلى لحظة اتخاذ القرار أعطِ نفسك دقيقة إضافية، ستين ثانية.. هل تعلم كم من المعلومات يستطيع دماغك أن يعالج خلال ستين ثانية؟ في هذه الدقيقة التي ستمنحها لنفسك قبل إصدار قرارك قد تتغير أمور كثيرة، ولكن بشرط أن تتجرد عن نفسك، وتُفرغ في دماغك وفي قلبك جميع القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية دفعة واحدة، وتعالجها معالجة موضوعية ودون تحيز، فمثلاً إن كنت قد قررت بأنك صاحب حق وأن الآخر قد ظلمك فخلال هذه الدقيقة وعندما تتجرد عن نفسك ربما تكتشف بأن الطرف الآخر لديه حق أيضاً، أو جزء منه، وعندها قد تغير قرارك تجاهه. إن كنت نويت أن تعاقب شخصاً ما فإنك خلال هذه الدقيقة بإمكانك أن تجد له عذراً فتخفف عنه العقوبة أو تمتنع عن معاقبته وتسامحه نهائياً. دقيقة واحدة بإمكانها أن تجعلك تعدل عن اتخاذ خطوة مصيرية في حياتك لطالما اعتقدت أنها هي الخطوة السليمة، في حين أنها قد تكون كارثية. دقيقة واحدة ربما تجعلك أكثر تمسكاً بإنسانيتك وأكثر بعداً عن هواك. دقيقة واحدة قد تغير مجرى حياتك وحياة غيرك، وإن كنت من المسؤولين فإنها قد تغير مجرى حياة قوم بأكملهم”.
“بس دقيقة” التي تأتي هنا شعاراً لـ (التريث) يجب أن تكون (الشعرة) التي تفصل عن كل هذا التسويف الكبير الذي نمارسه.. ويكلفنا الكثير.. واقعنا - أبا سلطان - يقول “بس عمر” ولا داعي لمعرفة ما إذا طال أم (قصر) فالمحصلة النهائية لا محالة هي (القبر).
كم دفن التسويف من أعمال لم تبرح الآمال حين تجاوز القرار النهار ولن أقول (الدقيقة) استناداً على تلك المقولة الشهيرة (كلام الليل يمحوه النهار).. إننا - يا صاحبي - نطبقها ببراعة.
حياتنا أحلام تنتظر على عقربي ساعة قد تعبا من اللف والدوران.
إنه قتل بطيء لوقت يمر سريعاً.
المشكلة - أبا سلطان - أن الذين كتبوا في (إدارة الوقت) وبحثوا عن أسباب إضاعته واكتشفوا حلولاً لها ما زال أكثرهم يعانون من عدم قدرتهم على استثمار أوقاتهم.. وصاحبك واحد منهم.. تنطبق عليه تلك المقولة الشائعة (باب النجار مخلع).
نحتاج إلى (إرادة) تمنحنا الالتزام بما نتعلمه ونؤمن بفائدته.. يملك الواحد منا قوى عجيبة قادرة على صنع التغيير وتحقيق الإنجازات ولكننا غالباً ما ننتظر التغيير من الخارج.. يسيطر علينا شعور بالعجز فنستسلم للريح مثل أوراق شجر صفراء.