سعيد غبريس
ولا عقل أنشتاين!!
2017-08-11

 

في السبعينيات، الفترة التي شهدت أول نسخة للدوري السعودي، زارت لبنان بعثة اقتصادية من الأمم المتحدة، لإعداد دراسة وتقرير عن الوضع المعيشي في هذا البلد، الذي كان يشهد ازدهارًا في الاقتصاد وبحبوحة في العيش، فكان العنوان الرئيسي للتقرير: بلد العجائب.. فقد خلُص التقرير إلى أحجية: مدخول الفرد شهريًّا 500 دولار ومصروفه 2000 دولار، وعلّق أحد الظرفاء آنذاك على ذلك بالقول: لو كنا في عصر أنشتاين وطلبنا منه تحليل النتيجة لانفجر دماغه..

 

أندية كرة القدم السعودية، تحتاج إلى عقل أكبر من عقل أنشتاين، لتفسير وضعها المالي، وهو عقل لن يوجد، حتى في عصر الكومبيوتر وهذا التقدم الإلكتروني الخيالي والمذهل؛ ففي الحالة اللبنانية، أفضت النتائج إلى وجود عوامل واقعية تفسّر هذا التناقض الكبير بين الدخل والمصروف؛ فاللبناني كان ولا يزال يعمل في مجالين إضافيين على الأقل على عمله الأساسي والسياحة التي كانت تشكّل الجزء الأكبر من الناتج المحلي، كفيلة بتأمين فرص الدخل الإضافي لشرائح عدة من الشعب اللبناني..

 

وفي الحالة السعودية، توفرت مجالات جديدة لدعم خزائن الأندية التي كانت ولا تزال تعتمد على مكرمات وعطاءات وسخاء أعضاء الشرف من أمراء ورجال أعمال. فمن إقحام الشركات الراعية إلى حقوق البث المتلفز، مرورًا بتسويق منتوجات الأندية من قمصان وشالات وغيرها، وُجدت بعض الحلول ولو جزئيًّا لبعض المشاكل المالية وخاصة المديونيات المتراكمة. وعلى سبيل المثال القروض البنكية بكفالة الهيئة العامة للرياضة، وتسديدها مباشرة من عائدات النقل المتلفز للمباريات. والمثل الحالي على ذلك تسديد نادي الاتحاد 22 مليون ريال من القرض الذي حصل عليه قبل موسمين، ويبقى مبلغ 28 مليونًا للسنوات الثلاث المقبلة..

 

هذه الحالة السعودية التي يتأمل الجميع بأن يكون التخصيص المرتجى والمنتظر هو الحل لتصحيح هذا الخلل المالي المزمن، تدهشنا حين يبدأ الموسم الجديد، فتتهاوى تلك الجبال من الديون المتراكمة التي تحول دون تسجيل اللاعبين الجدد، في حين أنّ الأندية تكون أنهت التعاقدات المكلفة مع لاعبين ومدربين أجانب ولاعبين محليين. وبقدرة قادر تحضر السيولة عشية انطلاق البطولة، كما حصل في الموسم الماضي حين أنهت بعض الأندية تسجيل اللاعبين الجدد قبل ساعات أو بعد الأسبوع الأول، وكما حصل هذا الموسم الذي ستتضاعف فيه التزامات الأندية المالية مع مضاعفة عدد اللاعبين الأجانب..

 

فهاهو النصر الذي كان مطلوبًا منه سداد الملايين، ويعجز عن دفع رواتب متأخرة لنحو العام، يُنهي ملف الأجانب الستة ويدفع ملايين الدولارات.. وهاهو الشباب يُكمل أجانبه رغم المصاعب المالية والإدارية التي أبعدته عن الألقاب في المواسم الثلاثة الماضية.. وهاهو الهلال يُتخم صفوفه باللاعبين الأجانب والمحليين من الطراز الأول، بعدما أغلق 33 قضية مالية قيمتها 77 مليون ريال.. وهاهما الأهلي والفتح ينضمان إلى لائحة الأندية المستوفية الشروط وكذلك التعاون والفيصلي والفيحاء.. أمّا الاتحاد فيبقى عاجزًا وممنوعًا من التسجيل ومهددًا بالهبوط، ويضطر للاكتفاء بالتجديد للاعبيه القدامى مع دفع مبالغ إضافية كبيرة..

 

الدوري السعودي انطلق أمس بنسخته الحادية والأربعين، وأنديته مدجّجة بلاعبين أجانب ارتفع عددهم إلى ستة لكل نادٍ، مع السماح لكل نادٍ بالاستعانة بثمانية أطقم من الحكام الأجانب..

 

فهل يكون هذا الدوري هو الأخير قبل بداية عهد تخصيص الأندية، ويندثر عصر أحجيات الخلل في المداخيل والمصاريف؟