كيف لهذه الكرة السعودية أن تنهض، والأندية تغرق في البحث والتفتيش عن وسائل وسبل لسداد ديونها الهائلة حتى تتمكن من تسجيل لاعبين جدد، أجانب ومحليين، بدل التفتيش والتخطيط ووضع البرامج للتطوير وسد الثغرات الفنية وتعزيز القدرات الإدارية..
وجه الغرابة الشديدة هنا، أنّ أُحجية الديون المتراكمة المانعة لتسجيل اللاعبين الجدد، تتجدّد من رحلة الشتاء إلى رحلة الصيف، ومن عام لآخر، دون تغيير في السيناريو، اللهم تدخّل الهيئة العامة للرياضة برئاسة الأمير عبدالله بن مساعد، من وضع سقفا للتعاقدات، ووضع ضوابط بحجم الديون وحدّها الأدنى لتسجيل اللاعبين الأجانب الذي يزيد بعشرة ملايين عن الحد الأدنى للمحليين، ووضع حلول من قبل الرجل الأول في الرياضة السعودية الذي أثبت أهليته الفكرية في مجالات الاستثمارات الرياضية، ومنها القروض البنكية وشروطها وضمانات تسديدها وتحديد كيفية إنفاقها، خاصة لجهة تقليص الديون لتجنيب الأندية السعودية العقوبات والغرامات من "الفيفا" وبالتالي لعدم حرمانها من تجديد صفوفها. وما هذه الإجراءات إلا جرعات لإبعاد شبح الإفلاس التام عن الأندية قبل إقرار نظام الخصخصة.
الآن وقبل شهرين من انقضاء فترة الانتقالات الصيفية تُسابق بعض الأندية الزمن لتقليص ديونها حتى تتمكن من تسجيل لاعبيها الجدد الذين تعاقدت معهم بالفعل وأحضرتهم، وبعد فترة وجيزة من تصريحات الأمير عبدالله بن مساعد عن هول حجم مديونيات الأندية السعودية، يصدر بيان عن الهيئة العامة، يضع تخوّف الأمير الرئيس في محله، ذلك أنّ ديون الأندية الأربعة عشر تجاوزت المليار ريال سعودي. وفي ضوء ذلك فإنّ هناك ما لا يقل عن خمسة أندية تحول ديونها دون تسجيل اللاعبين الجدد..
ولتأكيد مصداقية وصف الديون بالأهوال، قاربت ديون نادي الاتحاد الثلاثماية مليون ريال، وديون النصر أقل بـ35 مليوناً، فيما ديون الهلال قاربت الـ 137 مليوناً.. وفي حين يستنهض الأمير فيصل بن تركي العائد لرئاسة النصر بناءً على وعد الدعم، همم الجمهور حتى، لتوفير مبلغ 31 مليون ريال ليتمكّن من تسجيل لاعبيه الجدد، يضيع أحمد مسعود رئيس نادي الاتحاد، بين ما بات يُعرف بشيكات 30 يونيو استهلها الحارس فواز القرني الذي قدّم شيكاً بسبعة ملايين، وما لبث أن ظهرت شيكات أخرى بالتاريخ نفسه وبتوقيع الرئيس السابق إبراهيم البلوي، وهي ما وصفها الرئيس الجديد بالشيكات المضروبة مما يضخّم الديون، وبالتالي يُضعف قدرة الإدارة الجديدة على السداد. ووجه الغرابة هنا أنّ تاريخ 30 يونيو يصادف أول يوم تسلّم به مسعود الرئاسة.
والحق يُقال، أنّ الهدر والارتجالية وعدم التخطيط، هي الصفات التي تنطبق على الصفقات وعلى المصروفات، وهذا ما وردت أمثلة كثيرة عنها في المقال السابق. ووجه الحسرة هنا على ضياع الأموال سدى، يتمثّل بإنجازات الأندية التي لا تُذكر، خاصة على صعيد البطولات الآسيوية، وحتى البطولات الخليجية. والوقائع تشير إلى أنّ الهلال وحده لم يغادر البطولة الآسيوية قبل دور الـ16 في 4 بطولات، وإنجازه هو الأفضل (وصافة بطولة 2014)، فيما النصر لم يتجاوز دوري المجموعات، والاتحاد لم يحقّق أفضل من ربع النهائي، وهما الناديان الأكثر إسرافاً وتبذيراً..
والحق يُقال، أنّ الكرة السعودية ستراوح مكانها، طالما أنّ الرئيس "تنقطع روحه" من دفع الفلوس وتتقطع أنفاسه مستجدياً أعضاء الشرف، وطالما أنّ المدرّب الأجنبي يأتي لمهمة موسمية ويرحلوه إن لم يحقّق بطولة، وغالباً قبل أن يتسنى له ترك بصمة حتى على الفريق الأول.