حسب ما هو متداول في الأقوال الشعبية (تفاحة واحدة تفسد كل الصندوق)، بدا أنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم تفشى الفساد فيه بالكامل، بالأعضاء الحاليين والأعضاء السابقين، وكأنّ الورم كان مستفحلاً بدون عوارض ما لبثت أن ظهرت دفعة واحدة، وبدأ السقوط من الرأس إلى باقي الأطراف..
التفاحة ـ الفيروس التي عممت الاهتراء بالعدوى، لا يهم معرفة مصدرها بقدر ما هو مهم أنها فعلت فعلها. وما يلفت الانتباه أنّ المختبر الذي اكتشف هذا الوباء أمريكي ومرتبط بالمخابرات التي استخدمت القضاء السويسري، كونه البلد الذي يقع فيه مقر "فيفا" لتوقف المتهمين بالفساد وتبييض الأموال والرشى، وكذلك كان من الملفت توقيت إحداث هذا الزلزال الذي حوّل أكبر منظمة غير سياسية في العالم إلى ركام وحطام ورجالات كانوا يعاملون كرؤساء دول إلى متهمين أو موقوفين.
وأكثر ما هو مثير للاهتمام والاستغراب، أنّ الرجل الذي حكم هذا الكيان الفاسد طوال 40 عاماً، أبقوه فوق الشبهات ولكنهم دبوا الرعب في قلبه حين فتحوا ملف الفضائح والفساد عشية انتخابه رئيساً للفيفا لولاية خامسة، وحتى حين أخذ مساعدوه وأعوانه يتساقطون الواحد تلو الآخر في سلسلة دراماتيكية، ظل يكابر ويكابر متمسكاً بثوب العفة، إلى أن أصابته السهام وأصبح في عداد المتهمين والموقوفين أيضاً، فغاب للمرة الأولى عن الاجتماعات الرسمية للفيفا منذ 40 عاماً.
وهنا تحوّل "الثعلب العجوز" إلى شمشون ليسقط الهيكل عليه وعلى أعدائه، وفي طليعتهم الفرنسي بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي الذي كان أول من نادى برحيله ودعم الأمير الأردني علي بن الحسين في انتخابات رئاسة "فيفا" الأخيرة. وحين نفذت وسائل الحيلة لدى بلاتر لجأ إلى الانتقام، فسرّب أنباءً عن إبرامه اتفاقاً شخصياً مع بلاتيني حصل من خلاله الأخير على أموال. واعترف الفرنسي بالعقد غير المكتوب، واصفاً إياه بالاتفاق الجنتلمان، مما أدى إلى إيقاف الاثنين مدة 90 يوماً.
البلل هنا وقع على بلاتيني المرشّح الأبرز والأوفر حظاً لخلافة بلاتر، إلى ما قبل إلقاء الأخير قنبلة الانتقام في وجهه، فالسويسري غرق ولم يعد يخشى البلل. وقد اختصرت صحيفة "ليكيب" الفرنسية نهاية مواطنها بمانشيت أول في 30 سبتمبر يقول:platini en danger (بلاتيني في خطر) ثمّ بمانشيت آخر في 9 أكتوبر حيث كتبت خلف صورة لبلاتر وهو يضع يده على ظهر بلاتيني : Tombe avec moi (اسقط معي).
وبالأمس كشف بلاتر أنّ بلاتيني هو الذي أثار فضيحة "فيفا" قائلاً: كنت هدف الهجمات منذ البداية، ورتب لذلك كله بلاتيني، ولم يتوانَ عن القول بأنه أمر شخصي".. وهنا تتضح نية الانتقام أكثر لدى بلاتر..
هذا السقوط لبلاتيني، وتبني الاتحاد الأوروبي بالإجماع ترشيح أمينه العام الإيطالي جياني إينفانتينو، أسقط ورقة الفرنسي بالرغم من أنّ ترشيحه ما زال قائماً، وعزّز بالتالي حظوظ الإيطالي الذي ليس لدى الممسكين بشؤون "فيفا" أي ملفات جاهزة للتشهير به، بخلاف المرشّح الأبرز الآخر البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم رئيس الاتحاد الآسيوي الذي تعرّض لحملة افتراء وتشويه سمعة في أمور سياسية أمنية لا علاقة له بها، إلا كونه من الأسرة الملكية.
والسؤال المطروح: هل تبقى أوروبا مهيمنة أم تطرق آسيا باب رئاسة "فيفا"؟.