أكثر ما أثّر بي وأنا أتابع حفل الكرة الذهبية "فيفا" تكريم ملك كرة القدم في كل الأزمنة بيليه، بمنحه الكرة الذهبية الشرفية التي لم يفز بها إلاّ لسبب واحد وهو اقتصار نظامها السابق، وفي أيام بيليه، على اللاعبين الأوروبيين، وعندما فُتحت الجائزة أمام كل لاعبي العالم بالشراكة بين "فيفا" ومجلة "فرانس فوتبول"، كان بيليه قد ترك الملاعب بعد الفوز بكأس العالم 3 مرات وبكأس الإنتركونتيننتال مرتين وبعد 22 عاماً سجل خلالها 1281 هدفاً في 1363 مباراة. وهذه الجائزة التي استكمل بها "الملك" سجله، جاءت بمفعول رجعي، ولعل بيليه عبّر عن ذلك بطريقة غير مباشرة حين قال: "لا أعرف كم مرة كنت فزت بالكرة الذهبية، لو كنت مرشحاّ".
تأثري ازداد حين كُرّم بيليه مرة أخرى بتكليفه الإفصاح عن اسم الفائز، وبالطبع فإن استقبال بيليه الكرة الذهبية بابتسامته المعهودة وبعض الدموع وبتلعثم في الكلمات، حرك المشاعر والتعاطف، وكانت دموع "الجوهرة السوداء" توطئة لدموع رونالدو خليفة "اللؤلؤة السوداء" مواطنه الراحل أوزيبيو، الذي أعتقد أنه أعطى في تلك الأمسية الوجدانية، صورة مختلفة عن الانطباع، ربما الخاطئ، بأنه متعجرف، فقد اعتراه شعور جارف بالفرح "الدامع" متأثراً ببكاء والدته وبحضور عائلته بمن فيهم ولده، أما الذين التقطوا لحظة المصافحة السريعة لبلاتر، فلا يمكنهم لوم البرتغالي الفائز بالكرة الذهبية للمرة الثانية، لأن أحداً لم ينسَ بعد السخرية العلنية القبيحة لرئيس "فيفا" من رونالدو الذي لم يواجه ذلك التصرف الأرعن بالنحيب بل كان ذلك دافعاً ليصبح فعالاً أكثر في الملاعب (سجل 14 هدفاً في 6 مباريات في الأسابيع الثلاثة التي تلت سخرية بلاتر) لقد كان رونالدو أكثر لياقة من أبناء جلدة بلاتر الذين استقبلوه بصيحات الاستهجان قبل مراسم توزيع الجوائز، أي أن هذا السويسري أُهين في عقر داره زيوريخ.. وكان رئيس "فيفا" ظهر ضعيفاً ومتراجعاً ومكسوراً حين كشف قبل الحفل بأن رونالدو رد أخيراً على مكالماته الهاتفية وأنه تصالح معه.
أعود إلى "ملك كرة القدم" الذي طالما رفضت فكرة مقارنة مارادونا به، وكتبت عن ذلك مراراً.. لقد تساءلت وقلبي مفعم بالفرح وأنا أشاهد بيليه في هذا المحفل وفي هذه الحفاوة وسط عالم كرة القدم الذي كان مجتمعاً في زيوريخ..تساءلت: أين بيليه الآن وأين مارادونا؟ ولسوء حظ الأخير أنني وجدته أمامي على شاشة أبو ظبي الرياضية بعد انتهاء حفل الكرة الذهبية مباشرة، حيث ظهر يروج للقناة الإماراتية، ثم قرأت في اليوم التالي خبراً عن قيام مارادونا بتقديم برنامج تلفزيوني لقناة دبي كمكتشف للمواهب في كرة القدم على غرار برامج اكتشاف المواهب الفنية الغنائية.. وحضر في ذهني شريط نهايات مارادونا كمدرب مقال في نادي الوصل الإماراتي وكمتعاقد مع مجلس دبي الرياضي .. وتساءلت من جديد: أين بيليه الآن وأين مارادونا؟.