كنا نتحدث عن الأزمة المعيشية الخانقة التي تؤرق اللبنانيين في السنوات الأخيرة بسبب الارتجاجات السياسية والأمنية والاقتصادية التي ضربت المنطقة كلها، وذهبت بنا الذاكرة إلى البعيد إلى سنوات العصر الذهبي للمستوى المعيشي في لبنان في السبعينات حيث كانت الليرة اللبنانية أقوى عملة في الشرق الأوسط (الليرة كانت تساوي 1.6 ريال) في تلك الفترة حضرت بعثة من الأمم المتحدة لدراسة الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي، فكانت النتيجة اللغز: مصروف اللبناني يوازي ضعف مدخوله، هذه الأحجية تعيدنا من البعيد إلى القريب فنقفز بالذهن إلى نادي الاتحاد جدة الذي كان آخر محترفيه لبناني (محمد حيدر) والذي يعيش أي النادي أحجية الأحاجي، لأنّ مصاريفه أضعاف أضعاف مداخيله، ومع ذلك ما زال يعيش (على كيفه) مثله مثل ذلك اللبناني صاحب الخلل في ميزانيته، ومع ذلك يذهب إلى المطاعم ولا يحرم نفسه من اللباس الأنيق ولا من متعة السفر والسهر. إدارة الاتحاد برئاسة المهندس محمد الفايز تعيد الأزمة المالية الحالية إلى الموسم الماضي، ولم تفلح كل المحاولات لاستنهاض همم أعضاء الشرف، في حين ما زالت أزمة تجميد حساب النادي بدون حل، وكذلك لم تتوصل إلى عقد رعاية ملائم ولا سبيل إلى سيولة تصل إلى 100 مليون ريال لتسديد الديون التي ما إن يُحلّ جزء منها حتى تَحُل دفعات جديدة، منهما ما يذر بقرنيه من بعيد كالمطالب المالية لنادي فاسكو داجاما البرازيلي البالغة 30 مليون ريال حصة النادي من بيع بطاقة اللاعب البرازيلي السابق دييجو دي سوزا، إضافة إلى مستحقات الوكيل سلطان البلوي (13 مليوناً) وإلى ملايين الفلسطيني أنس الشربيني الذي ربح القضية في (فيفا) وملايين أكثر من عشرة لاعبين بينهم أسامة المولد وسعود كريري اللذان يشكلان الآن الهم الأكبر كونهما اقتربا من فترة الستة أشهر التي تجعلهما أحراراً في الانتقال.. ومثلما تراجع النادي عن قرار الاستغناء سابقاً ثمّ تراجع عنها لعدم وجود الأموال للمخالصات، أمثال حمد المنتشري ومبروك زايد وغيرهما، تتراجع الآن بشأن راشد الرهيب الذي ليس هو اللاعب الوحيد الذي يطلب المدرب الإسباني بينات تسريحه ثمّ يعيده إلى التشكيلة، وحتى بينات ذاته ما زال مستمراً بقوة التمديد القسري بالرغم من أنه يتلقى انتقادات شديدة بسبب تراجع الفريق إلى المركز السادس وتلقيه الخسارة الثقيلة في الجولة السابعة أمام الفيصلي بثلاثية نظيفة، وهي الخسارة الثالثة له في الدوري، وتدور في الكواليس أنباء عن إعادته إلى الفريق الأولمبي، ولكن من أين الإتيان بالمبالغ للتعاقد مع مدرب جديد وبمقدم العقد على الأقل؟ حيال هذه المشاكل المعقدة يواصل أعضاء الشرف الهروب إلى الأمام ولسان حالهم يقول إنهم لن يدعموا النادي إلا بعد الاطلاع على الوضع المالي بشكل كامل، في حين يتهم البعض الإدارة بأنها تثير المشاكل الجانبية بإصدار بيانات مثيرة للرد على المواضيع الساخنة خاصة التي تتعلق بمشاكل مع الأندية الأخرى، مثل المشكلة مع الهلال وخسارة الاتحاد القضية بعدما قبلت لجنة الاستئناف احتجاج الهلال ونقضت قرار لجنة الانضباط بتغريمه وحرمان جمهوره من حضور لقاء المباراة المقبلة أمام الشباب.. هذا كله ورئيس النادي يصرّح: وضع نادي الاتحاد خطير جداً.. ويتابع مفسراً ومبشراً "القادم أكثر في ظل محدودية الموارد المالية للأندية التي تعتمد في جزء كبير منها على هبات أعضاء الشرف التي من الممكن أن تتوقف في أي وقت". هذا كلام شفاف وواقعي وحقيقي وقد حصل مع الاتحاد، ولكن رئيسه يقول إنّ هذا الكلام عام وقد بدأ مع نادي الاتحاد.. هذا صحيح ولكن غاب عن بال الرئيس الصامد العنيد بأنّ الأندية الأخرى لم تصل إلى هذه الحافة.