|


صالح الخليف
سهرة دافئة داخل المكتبة
2017-08-28

‏في الزاوية السفلية اليمنى من هذه الصفحة تنشر "الرياضية" يومياً زاوية تحت عنوان "أين تذهب هذا المساء؟" تقدم خلالها أبرز البرامج والفعاليات التي تقيمها الهيئة العامة للترفيه في عدة مناطق ومدن سعودية.. هي خدمة معلوماتية ترى "الرياضية" أنها تأتي ضمن واجباتها الإعلامية الاجتماعية لإبراز الدور الوطني الفعال لهيئة الترفيه، والتي بالتأكيد تضع الشباب ضمن أهدافها.. وهنا تبدو العلاقة المتشابكة بين الترفيه و"الرياضية" والمساء..

 

لكن والحق أحياناً يقال إن المساء ليس مشكلة.. المشكلة في الصباح.. مشكلة بسيطة يمكن حلها وتجاوزها مثل مشكلة الاعتقاد السائد لسنوات طويلة أن صوت فيروز وأغانيها غير صالحة للاستماع إلا في الصباح، وتنتهي مدة تذوقها والتعايش معها قبل الظهيرة بقليل مثل بوفيهات الفلافل والشكشوكة.. 

 

برامج الشباب اليومية المسائية في أغلب المناطق تنحصر في الالتقاء بالأصدقاء في استراحة أو مقهى أو على البحر أو في بيت أحدهم أو على فراش يطرح على قارعة الطريق بعيداً بأمتار معدودات عن ضجيج السيارات وأخطارها.. المهم أنه لقاء يومي عابر يفتح فيه نفس جدول القضايا المطروح للتداول والنقاش.. المباريات وهموم الوظيفة أو الدراسة والسفر والذكريات وحكايات متشابهة من أحداث يومية اعترضتهم.. يمضي الليل هادئاً أو مكتظاً بالضجيج على حسب نوع السواليف.. يحين موعد النوم فيتفرق الجمع على أمل بلقاء الغد المتجدد.. الصباح للعمل أو الدراسة أو النوم، والمساء للرفاق وجلساء الليل.. لكن أين يذهب من ليس لديه ارتباط صباحي ولا ينام ساعات طويلة؟.. أفطر واستمع لأغنية "أنا والمساء" بصوت السيدة فيروز ثم تبدأ المشكلة.. على طريق الملك فهد بالرياض وقبل برج الفيصلية مبنى زجاجي حديث تعتليه مظلات بيضاء كأنهن خيام صغيرة متشابكة.. تحفة معمارية تسر الناظرين.. هذا مبنى مكتبة الملك فهد الوطنية.. تمارس دورها وسط العمل الإداري البيروقراطي بعيداً عن مفهوم المكتبات العامة.. تحتاج الرياض إلى مكتبة تخرج تماما من عباءة البروتوكولات الرسمية إلى آفاق القلوب الصغيرة.. مكتبة عامة يجد فيها الطفل والمراهق والشاب والكهل متنفساً صباحياً يجعل يومه يبدأ بروح تواقة لحياة مزدحمة بإضاءات الوعي.. قد يعترض صوت اعتاد على الصور المبرمجة.. قد يقول إن الناس لا تقرأ.. هل هناك مكان جاذب يجعلهم يقرؤون؟!.. تسوق مكتبة جرير لنفسها بشعار "ليست مجرد مكتبة".. أعتقد أنها عبارة ذكية وملهمة وعبقرية.. ليست مجرد مكتبة..  

 

غريلي، مدينة أمريكية صغيرة تابعة لولاية كولورادو، لديها مكتبة ضخمة.. بعد الدخول مباشرة تجد مقهى ذاتي الخدمة يقدم المشروبات والكعك والشكولاتة.. ثم يقابلك قسم الأطفال، الذي يحوي صالة ألعاب صغيرة، وآلاف الكتب المكتوبة والمصورة المخصصة لثقافة الطفل، وركناً يجتمع فيه الصغار للاستماع إلى حكواتي يروي لهم ما لايمكن قراءته بسهولة.. وتضم هذه المكتبة كمية مهولة من المراجع والروايات وكتب السياسة والاقتصاد والقانون وعلم النفس والخرائط.. تقدم الصحف اليومية والمجلات الدورية.. خدمة خاصة لاستعارة الكتب وسيديهات الأفلام.. أماكن مخصصة للاجتماعات.. أجهزة كمبيوتر منتشرة وطابعات وإنترنت مجاني.. هدوء لذيذ تتفلت من بعيد ضحكات طفولية بريئة.. لست مصاباً بصدمة حضارية وأعرف أن المكتبات جزء من الثقافة الغربية لكنني أتذكر أن مكتبة القرويين في مدينة فاس المغربية أهم  شيء يلفت الانتباه هناك بعد أن تحولت قبل سنوات إلى مكتبة عامة، رغم أنها ضاربة في أعماق التاريخ، حيث تم إنشاؤها عام 859.. أما مكتبة نيويورك العامة فهي أكثر مكتبة حول العالم ترتادها الخطى ويدخلها ثمانية عشر مليون زائر على مدار العام.. ومكتبة الكونجرس في واشنطن هي الأضخم وتحتضن بين أرففها 164 مليون مستند وكتاب ويعمل فيها قرابة الثلاثة آلاف موظف.. 

 

تستحق الرياض مكتبة عامة توازي ضخامتها وثقلها وأهميتها بين نظيراتها في المنطقة والعالم.. يحقق معرض الرياض الدولي للكتاب كل عام أرقام مبيعات مهولة.. هذا يعني وبكل وضوح أن العاصمة السعودية آن الأوان لها أن يكون لها مكتبتها التي ربما تكسر حتى قواعد أوقات الذهاب إلى المكتبات.. بإمكانها أن تكون ليست مجرد مكتبة.. بإمكانها أن تكون مكاناً دافئاً لسهرة أصدقاء يتسامرون ويتحاورون حول صوت فيروز ومن وراء الشائعة المنتشرة هذه الأيام بأنه صوت صباحي فقط.. والإجابة ستكون بالضبط تشبه إجابات أسئلة أين تذهب هذا المساء؟.. ولعلنا نلقاكم يا رفاق قريباً عند باب المكتبة..!!