|


صالح الخليف
‏آخر مرة أشرب بيبسي
2017-08-24

اترك قضية آثاره وأضراره على الصحة؛ فهذه أسطوانة من كثر ما تتردد بين الناس صارت هي المضرة بالصحة.. انظر إلى الجزء المملوء من الكأس.. انظر وامعن النظر كيف لهذا المشروب الذي يضر الرئتين ويسبب تسوس الأسنان ويساهم بقوة في الإصابة بالسكري ويفتك بالعظام كما يقولون ويدعون أنه ينتشر ويغزو العالم ويتحدى كل الحملات المعارضة والنصائح المتوالية ويصمد ويتمدد وتزيد أرباحه دون توقف، ويبيع في اليوم قرابة المليار و700 ألف علبة وزجاجة حول مدن وقرى الدنيا صغيرها وكبيرها.. بالطبع أتكلم عن البيبسي الذي مثل أول مؤشر حقيقي على العولمة ومهد الطريق للهوية الأمريكية، لتفرض حضورها وتبسط نفوذها على كامل هذا العالم المتشتت.. كان البيبسي أول علامة واضحة للعيان على التمدد الشعبوي الأمريكي في كل بقاع الكرة الأرضية.. كان أول عملية ساحرة تترك الباب مواربًا للعولمة التي ستصل فيما بعد وتجعل العالم فعلاً قرية..

 

في قرية لينة الصغيرة القابعة في عمق صحراء الشمال، كانت هناك عائلة أرستقراطية بمواصفات أيام السبعينيات.. هذه العائلة القادمة من نجد اعتادت أن تشرب البيبسي بعد العصر في أيام الصيف بالفناجيل.. 

 

لم يكن التعامل مع المشروب الغربي الأسود معروفًا أو معتادًا لا وقتًا ولا أسلوبًا ولا طريقة.. أحد أبناء العائلة أعلن حالة التمرد وقرر شرب زجاجة كاملة لوحده متحديًا البروتوكول العائلي الصارم؛ فظنوا أن بطنه سينفجر خوفًا من طبيعة البيبسي الغازية الفوارة؛ فهرعوا به مفجوعين إلى المستوصف الصغير، وطلبوا من الدكتور نقله بالإسعاف على وجه السرعة إلى مستشفى أرامكو في رفحاء.. اتركوا القصة القصيرة.. وركزوا على البيبسي.. كيف كان وكيف أمسى وأصبح.. والغريب في علاقة الإنسان مع البيبسي الممتدة لأكثر من مئة وعشرين عامًا أنها بدأت واستمرت تدور حول حمى الأضرار الطبية، بل إن الإعلانات الأولية للبيبسي كانت تقدمه بوصفه مشروبًا مفيدًا للصحة.. والشركة المصنعة نفسها تستند وتدعم موقفها باختراع الصيدلي الأمريكي كاليب برادهام  للبيبسي، كمشروب يساعد على منح الطاقة وتسهيل عملية الهضم.. والأمريكان يهتمون كثيرًا بالتفاصيل؛ فلم يكن اختيار اسم بيبسي إلا محاولة لترسيخ هذا المفهوم؛ فمادة البيبسي تساعد طبيًّا على الهضم، وهي كلمة يونانية الأصل، ومنها اختطف الاسم وانتشر.. 

 

التحذيرات الطبية أتعبت الشركة وأصحابها؛ ما دفعها لصرف ملايين الدولارات على الإعلان لمواجهة تلك الحملات المسعورة التي تصطدم بجدران ملايين المدمنين على لسعات البيبسي الباردة..

 

يتباهى الكثير من الأصدقاء بأن آخر علبة بيبسي شربوها كانت قبل ثلاث سنوات أو سنتين أو ستة أشهر.. فيما بيبسي تمضي بثقة وثبات نحو مئة عام أخرى تحصد فيها آلاف المحبين والمغرمين والمدمنين.. كأن بيبسي تقول لهم ذاك المثل العامي: "ما طاح من النجوم أخف للسماء"..

 

ولا أعرف الشاعر الذي قال قبل سنوات طويلة: " اهب اهب يا صانع الببس.. أنا أشهد أنه صانعٍ له تجارة.. لا به طعم سكر ولا به طعم دبس.. لا هو حلو مرة ولا به مرارة"... وبحسب موقع ورلد أطلس، تقف السعودية في المركز التاسع على مستوى العالم في استهلاك البيبسي، فيما تتصدر الأرجنتين القائمة وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية ثانيًا، ثم تشيلي ثالثًا، وأعتقد أن الحسبة جاءت نسبة وتناسب عدد السكان، وإلا بالتأكيد أن الصين والهند وإندونيسيا ستحوز المراكز الأولى في شرب البيبسي..

 

إنك تنظر بالطبع باحترام وتقدير لشركات آبل ومايكروسوفت وجوجل وسامسونج.. احترمها ما استطعت لكن تذكر أنها ربما تغادر المشهد وتصبح نسيًا منسيًّا، كما حدث مع أشباهها.. لكن بيبسي تستحق ما هو أكثر من الاحترام والتقدير.. صامدة باقية رغم هذه الحروب التي تخوضها مع صحة الإنسان.. وتنتصر نصرًا مظفرًا.. فعلاً اهب اهب يا بيبسي..!!