لدى دغيم الظلماوي إرث واسع في القصائد، التي لا يكتبها إلا أولئك الذين يستحقون بجدارة واستحقاق أن يكتب قبل أسمائهم الشاعر الكبير.. لكن مع كل ذاك المخزون المتكدس بالحكمة والجزالة، إلا أن شخصية دغيم الظلماوي اختزلت بالقهوة وأجوائها وعشقها ومدحها ورسمها كأسلوب حياة..
العودة إلى دغيم الظلماوي كشاعر من بين الملهمين في تاريخ الجزيرة العربية يحتاج للأمانة إلى كلام مطول وشرح مفصل.. إنه علامة تستحق التحليل والرصد والدراسة.. والظلماوي وأشعاره وقصائده ليس موضوعنا ولا حكايتنا ولا سالفتنا.. الظلماوي لا يهمنا.. الذي يهمنا قهوة الظلماوي أو لنكون أكثر دقة ووضوحاً يهمنا القهوة التي ظل الظلماوي قرابة المئة عام أو تزيد رمزاً لها ولهويتها وصناعتها وارتباطها المتجذر في يوميات الناس وطبائعهم وذائقتهم.. تجاوز الظلماوي بالقهوة كونها مجرد مشروب ضيافة إلى فضاء العلاقة والمحبة والإدمان..
يا كليب شب النار يا كليب شبه.. هذا مطلع واحدة من روائعه الخالدة.. ومرة ثانية أقول الظلماوي ماهو سالفتنا.. سالفتنا القهوة التي تشير أغلب المصادر إلى أنها ولدت في إثيوبيا عن طريق قبيلة الأورومو، ونفس المصادر تؤكد أن القهوة كما هي الآن عرفت لأول مرة في اليمن خلال القرن الخامس عشر، وبعد اكتشاف شجرة البن تم تصدير أول شحنة إلى كراتشي، بينما استقبلت مكة المكرمة أول شحنة بن وقهوة عام 1414 وانتشرت بشكل واسع عند المماليك..
انتقل شرب القهوة من منطقة الشرق الأوسط إلى مالطا وإيطاليا قبل أن تغزو أوروبا بأكملها.. والرحالة الألماني جوستاف سومرفلت ذكر في أبحاثه أن القهوة وصلت إلى أوروبا عبر السجناء الأتراك المسلمين الذين كانوا يعدون القهوة ويحضرونها ويبيعونها لجني المال.. وتقول الأرقام إن العالم يشرب الآن أكثر من ملياري كوب قهوة يومياً.. فيما تتصدر الدول النامية وعلى رأسها دول أمريكا الجنوبية قائمة منتجي البن والقهوة وثلث الإنتاج العالمي للقهوة يأتي من البرازيل وقرابة خمسة ملايين يعملون هناك في زراعة أشجار البن وقطفها وتصديرها..
قبل سنوات وعلى طريق مطار بيروت طالعت إعلاناً على لوحة ضخمة.. صورة لكيس صغير تتناثر منه حبات القهوة السمراء وكتب فوقه عبارة "أربعة ملايين لبناني يعيشون في البرازيل، وأهم لبناني عنا".. كتب الإعلان باللهجة اللبنانية الدارجة.. ويقصد الإعلان بكلمة "عنا" عندنا.. لم توقفني معلومة أن أربعة ملايين لبناني يعيشون فعلاً في البرازيل.. ولا القهوة.. لفت انتباهي فكرة الإعلان.. فقط..!!
الموسيقار الألماني العظيم بيتهوفن المجدد التاريخي للموسيقى والطرب اللذيذ كان مدمناً للقهوة وكان يشربها بإسراف.. الروائي الفرنسي وأحد أسياد الأدب الأوروبي بلزاك الذي كان يقول "الكتابة نوع من العذاب" كان يشرب يومياً خمسين كوباً ليتمكن من التفكير والكتابة والتركيز بطريقة أفضل كما كان يتوقع..
أكثر من مئة مليون أمريكي يشربون القهوة يومياً.. و65 بالمئة منهم يشربونها في الصباح.. الكاتب عبد الله باجبير قدم قرابة عشرين عاماً متواصلة مقالاً يومياً عبر الصفحة الأخيرة في جريدة الشرق الأوسط تحت عنوان "مع قهوة الصباح".. كان مقالاً يومياً يشبه بالفعل فنجان قهوة وسكره زيادة..
الرئيس الأمريكي التاريخي روزفلت أيضا من مدمني وعشاق القهوة.. يعد واحداً من ألمع قادة الدولة الساطعة.. فاز في أربع انتخابات رئاسية متتالية، وشهد عهده أحداثاً جساماً ومحورية أثرت في مستقبل العالم كالحرب العالمية..
الموسيقار البحريني خالد الشيخ يغني "قهوتي باردة".. غناها لكنها لم تسجل أي حضور.. يبدو لأن الناس لا تشرب القهوة إلا حارة، كما كان يفعل روزفلت والظلماوي وبلزاك.