لو استمع حسين بن عاقول لنصيحة شقيقه سعد في مسلسل درب الزلق؛ لأصبح الثنائي من ألمع رجال المال والأعمال.. ولما انتهى بهم المطاف يعملون في مسح الأحذية وتصليحها تحت مظلة خالهم قحطة..
حصلوا على مبلغ تثمين منزلهم وقرروا اقتحام التجارة.. جلسوا يتشاورون.. اقترح سعد فتح مطعم صغير يبيع "جباتي".. استحقر حسين الفكرة واستخفها واستصغرها وسفّهها وسطّحها.. و"سوى اللي براسه".. استورد أحذية أوروبية، لكنها طلعت كلها للقدم اليسرى.. استورد لحومًا ثم اكتشفوا أنها خاصة بالكلاب.. وبعدها أراد نقل الأهرامات للكويت، وأخيراً فتح مصنع كبريت واحترق.. فضاعت كل أحلام الثراء السريع..
ليته فتح المطعم.. ولم يورط الغلبان سعد معه في تجاربه التجارية الفاشلة.. ولو دخل الاستثمار في المطاعم، لكان امتدادًا لهذه الفكرة التي غيرت الحياة النمطية للبشر.. ليست هناك معلومات وافية وواضحة ودقيقة حول أقدم المطاعم في العالم.. يقال إن الحضارتين اليونانية والرومانية عرفت مصطلح "ثيرموبوليوم"، ويعني مكانًا لبيع الطبخ الساخن، واستحوذ على اهتمام شعبي كبير لأسباب عديدة، منها كون كثير من المنازل لم تكن تحتوي على مطابخ تلك الأيام.. إضافة إلى أن شراء الطعام الجاهز كان أسلوبًا اجتماعيًّا يدل على رقي المشتري.. وتقول المصادر المتواترة، إن مدينة بومبي الإيطالية القريبة من نابولي، ضمت قرابة 158 "ثيرموبوليوم".. لم تكن هذه الأماكن مطاعم كما هو الحاصل الآن.. كانت كما تروي الروايات أماكن للأكل وتجهيز الطعام.. يبدو أنها أقرب لهوية المطابخ.. خلال القرن الحادي عشر عرفت الصين أماكن أوسع لتحضير المأكولات في منطقة كايغيينج.. كل الدلائل تعطي باريس السبق في انطلاقة ظاهرة المطاعم التقليدية التي نعرفها، وذلك خلال القرن السابع عشر؛ ففي عام 1765 افتتح الفرنسي بولانجيه مطعمًا يضم طاولات وكراسي متفرقة، واشتهر بتقديم الشوربة مع اللحم والبيض.
أما إذا كنت من الذين يصرفون على أمعائهم وذائقتهم بسخاء؛ فمطعم سابليموشن في جزيرة أيبيزا الإسبانية ينتظرك، وقبل أن تجلس على الكرسي كن على يقين أنك ستدفع ما لا يقل عن ألفي دولار عدًّا ونقدًا كحد أدنى للشخص الواحد في وجبة واحدة؛ لأنك الآن تحت ضيافة أغلى مطعم في العالم.. أما مطعم ماسا وسط نيويورك الأمريكية، فيأخذ منك ستمئة دولار، فيما عليك دفع أربعمئة وخمسين دولارًا في مطعم ميزون بيك الفرنسي.. ولعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ينهي الحرب المستعمرة في بلاد الشام ويزيل الغمامة ويمحق الطغاة، وتعود عاصمة الأمويين آمنة مطمئنة.. إذا وضعت الحرب أوزارها فاقطع تذكرة إلى سوريا، وبعد خروجك من المطار بمسافة قليلة سيقابلك مطعم بوابة دمشق.. من الأفضل أن تزوره وتلتقط صورة سيلفي داخله، وتفتخر أنك وسط أكبر مطعم على وجه الكرة الأرضية.. يحوي 6014 كرسيًّا بمساحة تفوق 54 ألف متر، وكلف بناؤه أربعين مليون دولار وتم افتتاحه عام 2005.. أما مطاعم صب واي التي قد تجد أحد فروعها قريبًا من منزلك أو شقتك؛ فيجب عليك احترامها وتقديرها أكثر من اللازم.. لأن هذا الفرع لديه أشقاء وشقيقات يقتربون من خمسة وأربعين ألفًا حول العالم، كأكثر المطاعم انتشارًا على هذه البسيطة.. ويخلق من الشبه أربعين.
أما مطعم أيثا في جزر المالديف، فهو الأغرب على الإطلاق.. تأكل وجبتك وأنت تتابع تحركات الأسماك بكل أشكالها وأنواعها وألوانها، وكل مخلوقات البحار تتجول حولك؛ لأن هذا المطعم تحت سطح الماء.. فيما يضطر رواد مطعم أونوار على أطراف مدينة تورونتو الكندية إلى الأكل وسط ظلام دامس، وكأنهم فقدوا أبصارهم تمامًا.. تأكل ولا ترى.. والأذن تعشق قبل العين أحيانًا.. ولأن أمريكا هي بلد العجائب والغرائب، فإن مطعم "هارت أتاك جريل" في لاس فيجاس، وتعني ترجمته الحرفية: "مشاوي النوبة القلبية"، يقدم وجبات ذات سعرات حرارية عالية جدًّا؛ فالبرجر عنده يحتوي على أكثر من ثمانية آلاف سعرة حرارية، ويقصد إذا كنت شجاعًا ولا تخشى الموت وقلبك كالحديد "فتعال وجرب أكلنا".. أما أغرب اسم مطعم فيوجد في العاصمة المصرية القاهرة، وكم في مصر من المضحكات.. هناك مطعم شهير يبيع الفول اسمه "الجحش"، وبالطبع زبائنه ليسوا جحوشًا "أعزكم الله".. وكثير من المشاهير استثمروا في المطاعم وأصبحوا من الميسورين، وعلى رأسهم لاعب السلة الشهير مايكل جوردان.
وعلاقة الإنسان مع المطاعم عاطفية أكثر مما هي ذائقية إن صح التعبير.. بعض المطاعم تحبها وبعضها تدمنها وبعضها تدخلها مرة واحدة وبعضها تكرهها ولا تطيق شوفتها.. وعلى كل حال، المطاعم وحدها يمكنها أن تجعلك تصدق أن أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته.. هذا إذا صدقت أولاً أن المطاعم يمكن أن تكون منطقة وسطى بين القلب والمعدة.. لا بين القلب والعقل.. فالعقل ليس له علاقة بالمطاعم، وإلا لما تجاهل حسين بن عاقول اقتراح سعد!!.