إذا جلست مع أحد أصدقائك ولم تجد قضية أو موضوعًا تتكلم فيه فافتح سالفة الحظ.. افتحها ولا تتردد وراح يسري عليكم الليل ولم تنته سالفتكم.. الذين ابتسم لهم الحظ ونقلهم إلى ذروة الثراء أكثر من الهم على القلب.. والذين أدار لهم هذا الحظ ظهره يمكن كتابة أسمائهم بقائمة طويلة ومملة وتدوخ الرأس.. وما أكثر المحظوظين والمنحوسين حين تعدهم.. وما أكثر الذين يحمِّلون الحظ تبعات إخفاقاتهم وعثراتهم وسقطاتهم.. وحتى الخاسرين والمهزومين في معارك وحروب الحب لا يترددون بجعل الحظ حبلاً متراخيًا يعلقون عليه حسراتهم ودموعهم.. والصوت الجريح عبدالكريم عبدالقادر يغني من كلمات عبداللطيف البناي: "ومنين ابتدي.. يا جرحي الندي.. حسبي على الأيام والحظ الردي"، في واحدة من أهم وأشهر أعماله.. ومثل عبدالكريم ومثل البناي فعل الكثيرون.. أهم مقطع صدحت فيه السيدة أم كلثوم في أغنية الأطلال الخالدة، من كلمات الطبيب والشاعر إبراهيم ناجي: "لا تقل شئنا فإن الحظ شاء".. ومن المعروف أن هذه القصيدة تم بعثرتها بقرار من أم كلثوم حتى وافقت على غنائها.. وكتبها ناجي عن حبيبته التي تزوجت رجلاً غيره، ثم اضطر للإشراف على ولادتها؛ فكتب القصيدة بعد هذه الحادثة.. وبعد سنوات من وفاته خرجت الممثلة الراحلة زوزو الحكيم وقالت إن ناجي كان يحبها، وإن قصيدة الأطلال كتبت من أجلها.. وبالنسبة لي أصدق الرواية الأولى وأبصم عليها بالعشرة، مع احترامي وتقديري للسيدة زوزو.. وأرجو ألا تسألني عن السبب.. فالجواب باين من عنوانه كما يقول المصريون..!!
نرجع إلى محور حديثنا، كما كان يقول الممثل الكويتي محمد الصيرفي.. سالفتنا الحظ وليست زوزو والأطلال.. والسينما الهندية ظلت أسيرة لمرض الحظ والخرافة، وتلك الأشياء التي لا تتفق مع العقل والمنطق.. وأعتقد أن "أعطني حظًّا وارمني في البحر"، هو أشهر وأبرز الأمثال التي يرددها الناس حول العالم وبكل اللغات.. والشاعر السوداني إدريس جماع الذي أصيب بالجنون في آخر حياته، لم يشتهر من كل ما كتبه سوى قوله: "إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه.. ثم قالوا لحفاة يوم ريح اِجمعوه".. ويكفيه هذا البيت اليتيم ليوصف بالأديب العظيم.. رحمه الله وغفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه.
وعملاق القصة القصيرة وأهم وأفضل كتابها عبر التاريخ، الطبيب الروسي أنطوان تشيكوف أبدع كثيرًا حينما تناول الحظ عبر إحدى روائعه الملهمة.. كان تشيكوف طبيبًا وأديبًا وصاحب خيال مبهر.. وكان يقول دائمًا: "الطب زوجتي والأدب عشيقي"، ومات مريضًا بالسل عند بلوغه الرابعة والأربعين عام 1904.. أما قصته التي ربما تعد الأقصر والأعمق فيقول فيها: "قبل أربعين سنة، وعندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، عثرت في طريقي على ورقة مالية من فئة العشر روبلات، ومنذ ذلك اليوم لم أرفع وجهي عن الأرض أبدًا.. وأستطيع الآن أن أحصي كل ما جمعته وأسجله كما يفعل أصحاب الملايين لتكون: 2917 زرارًا و244172 دبوسًا و12 ريشة وثلاثة أقلام ومنديلاً.. وظهر منحنٍ وحياة بائسة"!!
قصة قصيرة تتكلم عن أولئك الذين يعيشون طويلاً في الظلام، ويعتبرون الحظ شمس الحياة المختبئة وراء الأفق التي ينتظرون شروقها...!!
أما إذا كنت تنتظر مني كلمة أو رأيًا أو تعليقًا.. فلا يهمك قصة أنطوان، ولا تسمع شعر إدريس جماع، ولا تطرب لأغنية عبدالكريم؛ فإذا جاءك الحظ يا صاحبي فتمسك.. تمسك به جيدًا.. وهذا ليس كلامي.. هذا كلام شاعر إسبانيا الكبير سرفانتس، الذي قاوم مرض السكري طويلاً، ولم يغمض إغماضته الأخيرة إلا بعد بلوغه السادسة والتسعين!!