لا تسأل أصدقاءك وأقرباءك.. ولا تتجول في منتدى المسافرين العرب، ولا تقضي وقتًا تفتش داخل المواقع السياحية المتخصصة.. إذا نويت السفر إلى بلاد غريبة تطأ قدماك ترابها لأول مرة، فاملأ بطاقة الفيزا حتى ترتوي واملأ جيوبك بالمال والحلوى وتوكل على الله.. إذا نزلت المطار تأمل وجوه سائقي التاكسي، وهذا يعتمد على نباهتك وفراستك وقراءتك لملامح وتعابير البشر.. وسيماهم في وجوههم.. والرجال تعرف من وجيهها كما يقول مثل قديم يردده أهالي نجد".. ابحث عن سائق تاكسي ابن حلال وتبادل معه الابتسامات والتحايا، واركب آمنًا مطمئنًا، فالأقدار يا صاحبي تنتظرك كما تنتظر قرابة سبعة مليارات إنسان يعيشون على هذه الأرض.. لا تقلق ولا تخف ولا تتوجس.. وكلها أيام معدودات وتعود أدراجك.. تعود وقد أصبحت تلك البلد التي لم ترها من قبل مثل حواري الصبا وطرق الطفولة الضيقة وأحياء الشباب والمراهقة.. ذلك وأكثر بفضل من الله ثم بفضل سائق التاكسي الذي صادقته وأخذت منه ميثاقًا غليظًا وعهدًا قاطعًا على الوفاء والأمانة والمحبة قبيل خروجكم من مواقف المطار..
سائق التاكسي يغنيك عن دليل الإرشاد السياحي ويغنيك عن "جوجل ماب"، ويغنيك عن نصائح العارفين وأجوبة المجربين.. اسأل سائق تاكسي ولا تسأل طبيبًا..!! وسيخبرك عن أفضل مقهى ترتشف عنده قهوة الصباح.. وأفضل مطعم يقدم وجبة الإفطار.. وأفضل فندق متخصص في البوفيه المفتوح.. سيدلك أين تقضي وقت الظهيرة.. وأين تسرح بناظريك قبل الغروب.. ومتى تتسوق وأين تسهر حتى طلوع الشمس..!!..
دع القيادة واستمتع بالرحلة.. في القاهرة مثلًا يلعب سائق التاكسي دورًا مهمًّا وحيويًّا ومفصليًّا في برنامجك وفي مزاجك أيضًا.. إذا أوقفت صاحب تاكسي على شارع جامعة الدول وطلبت منه إيصالك إلى مدينة نصر، فلن يحدد لك سعر وقيمة المشوار.. يراهن على الوقت.. يتعرف عليك أولًا ويلامس مشاعرك من أي اتجاه.. ويتركك في مواجهة ضميرك.. المصريون لا يسألون سائقي التاكسي عن القيمة لأن الزبون يعرف كم سيدفع.. عملية حسابية اجتماعية غريبة بيد الزبون.. والزبون دائمًا على حق.. في دبي نادرًا ما أتحدث مع سائقي التاكسي.. دبي تفرض عليهم الانضباط والنظام والصرامة التي ربما لا تتوافق مع طبائعهم..
أذكر أنني تبادلت الحديث مع سائق باكستاني هناك، ودار الحوار عن دخله ومتاعب وأسرار العمل.. قال لي بأن مدير الشركة البريطاني يجتمع معهم كل شهر تقريبًا، ويحذرهم من السيارات التي تحمل لوحات سعودية؛ كون سائقيها لا يعرفون الطرق جيدًا ويتخذون قرارات مفاجئة ربما تتسبب في حوادث شنيعة.. ربما يكون كلامه صحيحًا وربما أراد إغاظتي واستفزازي فقط..!! أما التاريخ فيقول في باب سائقي التاكسي إن باريس ولندن أول مدينتين بدأ فيهما استخدام وسائل تشبه سيارات الأجرة، من خلال عربات تجرها الخيول والأحصنة منتصف القرن السابع عشر.. بينما كانت لندن سباقة باستخدام أول تاكسي يعمل على البطارية الكهربائية أواخر القرن التاسع عشر.. والألماني جوتليب دايملر اخترع تاكسي يمشي بواسطة البنزين عبر شوارع شتوتجارت عام 1897.. واخترع مواطنوه الألمان الثلاثة فيلهلم يندلر وفريدريخ برون وفرديناند دينكر عدادًا يقيس المسافة التي يقطعها التاكسي.. وفي دراسة نشرت العام الماضي، أكدت أن قيادة التاكسي عاشر أخطر وظيفة في أمريكا..
أما صحيفة تيلجراف البريطانية فقد نشرت قبل أيام تقريرًا مثيرًا، تناولت فيه أسعار التكاسي داخل ثمانين مدينة شعبية حول العالم.. وكانت القاهرة هي الأرخص، ثم بانكوك وتليها موسكو.. أما أغلى المدن فتصدرت زيوريخ القائمة، وجاءت جنيف بعدها مباشرة وطوكيو ثالثًا.. وفي مدغشقر يتوقف صاحب التاكسي لتعبة الوقود ويطلب من الراكب دفع الثمن.. هذه واحدة من غرائب سائقي التكاسي التي لا تنتهي.. والسينما جسدت كثيرًا تفاصيل السائقين؛ فقدم روبرت دي نيرو واحدًا من أهم أعماله بفيلم تاكسي درايفر.. ومحمود عبد العزيز أبدع في فيلم الدنيا على جناح يمامة بدوره سائقًا للتاكسي مع ميرفت أمين.. كان ينتظر خارج بوابة المطار في أول مشهد ويأكل طعمية مع رجل شرطة ويتمنى أن يحالفه الحظ ويركب معه رجل غربي أو سعودي ليدفع بالدولار أو الريال.. لا يريد أحدًا قادمًا من الصومال أو اليمن.. ركبت معه ميرفت أمين.. راهن على الوقت وكسب!!