لا تحتاج ديانا إلى سيرة ذاتية تكتب من جديد بعد عشرين عامًا من وفاتها أو مقتلها.. لو مد الله بعمرها لبلغت الآن السادسة والخمسين.. لكانت دخلت رسميًّا في عداد العجائز اللاتي يسلين ما تبقى من رحلة الأيام بملاعبة أحفادهن الأشقياء.. ديانا أم وجدة وعجوز.. يا لهذا الخيال الذي يستعصي على الذهن التواؤم معه بسرعة.. اغتالتها باريس.. كانت سيدة الأضواء.. كانت زجاجة عطر فاخرة بهيئة امرأة إنجليزية شقراء.. ومن عجائب القدر أن تموت داخل نفق مظلم في عاصمة النور والعطور.. ظلت تنزف ساعة وسبعًا وأربعين دقيقة قبل أن تنقلها سيارة إسعاف إلى فراش الموت.. ظل يوم رحيلها الحادي والثلاثون من أغسطس يومًا تعيسًا على قلوب أحبتها، ولا تعرف عنها سوى تلك الابتسامة البريئة الساحرة.. رثاها الراحل غازي القصيبي بكتاب سمّاه "الأسطورة".. بكاها وأبكى معه الدموع الرقيقة.. ظلت رمزًا للفتنة والحب والجمال الأخاذ طوال معيشتها وارتباطها بالأمير تشارلز..
ظلت أيقونة النضارة والوسامة والإبهار بتقاسيمها المزدحمة بالملح والحسن والبهجة.. أيام ديانا أراد شاعر خليجي المبالغة في وصف عشيقته فقال بحماسة الشعراء وكبريائهم: "الجوهرة غطت على كل الأوضاع.. وشي ديانا يوم تنشر صورها".
رحلت إلى مصيرها كما هو حال البشر.. فملأت النسخ المقلدة الأسواق والمهرجانات وعدسات الكاميرات.. بعض نساء الطبقة المخملية كن يظنن أن سر ديانا يكمن في تواضعها وأعمالها الإنسانية ومبادراتها الخيرية ومشاركاتها الاجتماعية.. كن يتوقعن أن مجرد احتضان طفل أسمر في دولة إفريقية فقيرة كافٍ لتكرار تجربة الليدي ديانا.. كل شيء يمكن تقليده واستنساخه وتكراره إلا الروح.. هذه من أمر ربي.. قلدوا ضحكتها ومشيتها وكلامها وأجوبتها.. سحر ديانا في روحها.. الروح الجاذبة التي جعلت منها امرأة يمكن أن تظهر شبيهة لها في كل مئة عام مرة واحدة..!!..
قبل يومين استقبل الناس فيلمًا جديدًا يحكي عنها.. ماذا لديه وسط جيش الكتب والأفلام والبرامج التي بحثت ونبشت كل شيء في أدق تفاصيلها وخصوصياتها.. لكنه حمل الجديد فعلًا.. "أمنا ديانا.. حياتها وإرثها" هذا عنوانه.. ركز على جانب الأمومة في شخصية ديانا، وبالطبع لا بد أن يمسك الثنائي ابناها الأميران ويليام وهاري بزمام المبادرة في إنتاج مغاير مثل هذا.. يتحدث الأميران عن والدتهما بحب ومودة وحنين يقطع القلوب.. هذا أول عمل تلفزيوني يظهران فيه ويتحدثان عن علاقتهما الحميمة مع والدتهما المفقودة.. يقول المنتج آشلي جيشينج إن ما دفع الأميرين للموافقة على المشاركة هو شعورهما أن هناك جيلاً جديدًا لا يعرف الكثير عن الراحلة، وأن هذا سيكون الظهور الأول والأخير لهما في الحديث عن الفقيدة التي تابع مراسم جنازتها حول العالم ما يقارب الملياري مشاهد.. تحدث الابنان عن المكالمة الأخيرة مع صاحبة الصوت الغالي.. قال ويليام: "كنت أنا وأخي في عجلة لأن نقول لها مع السلامة وإلى لقاء قريب، لم أكن أعلم أنها آخر مكالمة".. وهاري يقول: "جاء صوتها من باريس.. لا أتذكر كثيرًا عن ماذا تحدثنا، لكنني سأبقى نادمًا طوال عمري لأن الاتصال كان قصيرًا"..
وأفردت الصحافة الإنجليزية طوال الأيام الماضية الكثير مما دار في الفيلم الجديد، وأشارت الجارديان إلى أن الأميرين يتذكران عناق والدتهما رغم مرور عشرين عامًا فيقول هاري: "أستطيع الشعور بحرارة عناقها حتى اليوم".. بينما كشفت الديلي ميل أن الأميرين كانا سيتقابلان مع والدتهما في باريس بعد يوم واحد فقط من الحادث المأساوي الشنيع عقب انقطاعهم عن بعض لأكثر من شهر.. لم تسكن ديانا ذاكرة العالم إلا بكونها فراشة ملونة لا تكبر، ولديها القدرة على هزيمة الزمن.. ذاكرة لم يكن لديها أي استعداد للتعرف عليها كأم كما يراها ويليام وهاري.. اكتفوا برؤيتها ومطاردتها كجميلة من جميلات الكون.. وأديب إيرلندا الكبير برناردو شو يقول: "الأم جمال الوجود ونور الحياة".. أظنه كان يقصد ديانا خاصة بعد سماعه بيت الجوهرة للشاعر الشعبي الخليجي..!!