الرسالة طيبة ومباركة ومهضومة ونحتاج إلى قراءتها مثنى وثلاث ورباع.. المشكلة تكمن في ساعي البريد الذي أوصلها بطريقة أكل عليها الدهر والزمن وشبعا وشربا وارتويا.. طريقة بدائية دفنت في غياهب وظلمات الماضي التعيس.. طريقة من بؤسها وتعسرها أنستنا فحوى ومحتوى الرسالة القيمة.. نسينا الرسالة وما أنسانا إياها إلا الشيطان.. انشغلنا بساعي البريد.. الله لا يشغلنا إلا بطاعته..!! قبل أيام بثت قناة المجد الفضائية حلقة من برنامجها التوعوي الذي يأتي تحت عنوان "من غلاكم".. سلطت خلاله الضوء على قضية غرق الأطفال في مسابح الاستراحات بسبب غفلة الآباء والأمهات.. بالفعل الموضوع مهم وحيوي ويلامس جرحًا غائرًا وعميقًا ويستحق الكثير من الاهتمام والكثير من البحث عن حلول واقعية لهذا الشبح الذي يطل برأسه ويمد أياديه وأقدامه بين يوم وآخر.. غرق الأطفال أيام الصيف تحت وفوق مياه المسابح قضية اجتماعية شائكة وتنتظر بالفعل التوقف عندها طويلًا.. لعل حلولًا ناجعة تولد من وراء ألسنة وعقول وأذهان خبراء ومفكرين واجتماعيين ورياضيين ومختصين وأمنيين.. حلقة المجد اجتهدت في هذه القضية وأدلت بدلوها الذي خرج من البئر مملوءًا بالوحل والطين والأتربة.. دلو لم يدل على شيء.. دلو ضيع الطريق كما أضاعت الشاعرة الجاهلية دخنتوس بنت لقيط بن زرارة التميمي اللبن في الصيف..!! اجتمع الثلاثي سليمان الجبيلان وخالد الدايل وحسن بن قعود على شاشة المجد.. وبدؤوا بالحديث عن أمور عامة قبل أن يقطع الجبيلان كلامه وينتفض ويهب مسرعًا لنجدة وإنقاذ طفل يوشك على الغرق في مسبح استراحتهم أثناء التسجيل.. كل من تابع البرنامج اكتشف مباشرة أن المشهد لم يكن حقيقيًّا أو واقعيًّا، وإنما مجرد تمثيلية يبدو أنهم أرادوها منطلقًا لتناول القضية.. كان الجبيلان يرتدي ثوب (قلابي) قبل لحظات من فزعته المشهودة.. وعندما عرضوا اللقطة التالية مباشرة مبللًا داخل المسبح وممسكًا بالطفل الذي لعب دور الغريق كان ثوب الجبيلان(عادي).. كان مشهدًا محزنًا ليس من أجل الأصوات الإنشادية التي عرضتها القناة، محاولة إضافة قوة درامية تراجيدية على عملية الإنقاذ الوهمية وإنما محزن؛ لأن الجبيلان وزمرته وفرقته تعاملوا مع المشاهدين وكأنهم لا يفرقون بين الواقع والخيال.. بين الحقيقة والوهم.. بين الصدق والتمثيل.. ما كانوا بحاجة إلى سيناريو ركيك وفاصل سينمائي يفتقد أدنى درجات الحبكة.. كان منظرًا هابطًا ومعيبًا والثلاثة يواصلون نصح من يجلس خلف التلفزيون وفي ذات الوقت يخدعونه بلا فائدة ولا داع ولا معنى.. كان يمكنهم الحديث عن الغرق واستعراض مواقفهم وذكرياتهم دون إضافة المشهد الهابط للحلقة.. الكارثة أن الجبيلان اعترف بأنه لا يعرف يسبح في نفس الجلسة، بينما خالد الدايل حاصل كما قال على دورة إنقاذ الغرقى ولم يتحرك من مكانه.. أسرع الذي لا يعرف السباحة وفي طريقه للمسبح يبدو أنه فضل تغيير واستبدال الثوب.. أما المنقذ الحاصل على الدورة فظل هادئًا مطمئنًا لم يحرك ساكنًا أو يسكن متحركًا.. لماذا يغرق الأطفال الصغار الجهلة في المسابح.. هذه قضية وقضية كبيرة جدًّا.. أما لماذا يغرق الكبار بملابسهم أثناء جلوسهم على العشب الأخضر وأثناء نصحهم للناس فهذه لم تكن مدرجة في قضايا المحكمة..!! وأما لماذا أضاعت المرأة الجاهلية دخنتوس نفسها وصارت عبارة (في الصيف ضيعت اللبن) الواردة على لسان زوجها وابن عمها وطليقها الفارس الشهم الكريم عمرو بن عدس، فيبدو أن المخرج عاوز كده..!!