|


صالح الخليف
عقول تلامس السحاب
2017-07-16

يستطيع الطبيب الذهاب إلى العمل في أي مكان حول العالم.. لكن المهندس وحده يبني هذا العالم..!!..

 

كل ما تراه حولك من تقدم وتطور وتغير هو أساسًا فكر وابتكار وصناعة الهندسة وأبنائها الأفذاذ وعباقرتها الأذكياء النجباء المهرة.. المهندسون صبغوا مجرى التاريخ بالعلم والتقنية والتكنولوجيا.. جعلوكم كل يوم لا تتنبؤون ماذا ينتظركم من نقلة أو قفزة تصعد بكم خطوات لم تحسبوا حسابها.. 

 

لم تقف الهندسة تلتقط أنفاسها يومًا واحدًا في سعيها الدؤوب لتطوير البشرية.. اتركوا الهندسة المعمارية جانبًا.. صحيح أنها مليئة بالإبداع لكن حتى أنت يمكنك أن تصمم وتخطط منزل أحلامك دون الاستعانة بمهندس أمضى على مقاعد الجامعة خمس سنوات أو يزيد.. الهندسة المعمارية تبدو في آخر الصف.. ليست الهندسة التي أعنيها.. هذا علم أقرب إلى عقل المرأة الحديثة وطبائعها الميالة لتركيب وترتيب الأشياء من حولها.. لذلك على ما يبدو أبدعت العراقية الراحلة زها حديد.. 

 

الهندسة التي أعنيها وأحترمها وأنظر إليها بإعجاب طفل يشاهد هدفًا مارادونيًّا لأول مرة في حياته.. هي تلك الهندسة التي بواسطتها ما كانت الأشياء لتبقى على حالها.. المصاعد الكهربائية مثلاً.. ما كان المهندسون المعماريون يجرؤون أو يفكرون بتشييد أبنية شاهقة ومرتفعة تناطح الريح وتلامس السحاب لولا أن المهندس الكهربائي الألماني والتر فان سيمنز فتح لهم الآفاق لينطلقوا في الهواء الطلق حينما اخترع مؤسس شركة سيمنز الشهيرة المصعد الكهربائي وذلك عام 1880م، رغم أن الأمريكان يدعون أن هذا الاختراع جاء على يد مواطنهم شويلر ويلر عام 1883م، ومنحوه براءة اختراع على ذلك.. 

 

هذا لا يهمنا.. فخار يكسر بعضه.. الأهم أن المهندسين اخترعوا المصعد وصعدت أنا وأنت وغيرنا.. وفي عام 1887م جاء الأمريكي أليكساندر مايلز وأدخل الأبواب الأوتوماتيكية على المصاعد.. فكرة المصاعد كانت قد بدأت من القرن السابع عشر في قصور بريطانيا وفرنسا.. قصر الشتاء الواقع في مدينة سانت بطرسبورج الروسية كان يحتوي على مصعد هوائي في مطلع القرن التاسع عشر.. 

 

الأمريكي أليشا أوتس مؤسس شركة أوتس الشهيرة وضع جوانب الأمان على المصاعد عام 1852م، قبل أن يأتي العقل الهندسي الألماني ويدفع بالكهرباء لترفع المصاعد.. في أواخر القرن الثامن عشر بدأ استخدام المصاعد في مناجم الفحم وكانت تعمل على البخار.. هذه الفكرة التقطها البريطانيان بورتل وهورمر لغرض سياحي في لندن فيرفعان الزوار والمتنزهين لمسافة محدودة مقابل ثمنٍ بخس دراهم معدودة وكانوا فيهم من الرابحين.. ابن جلدتهم المهندس ويليام أرمسترونج أدخل العلم الهيدروليكي إلى المصاعد عام 1846.

 

تقدم الطب كثيراً وأكثر ما تقدم به أجهزته التي صنعها المهندسون.. تقدمت الاتصالات وتقدمت الحياة كلها بأفكار المهندسين.

 

عندما تهبط أنت إلى مطار دبي زائرًا وسائحًا ومتسوقًا لأول مرة تتلهف شوقًا إلى سيارة تاكسي تحط بك في برج خليفة.. هذا البرج يطلب منك دفع أربعمئة درهم وبعد دقيقتين فقط تصبح عند أحلى نقطة وفوق هام السحب.. تمتع ناظريك بدانة الخليج.. ترى مشرقها ومغربها كأنهما تحت قدميك.. ترى السيارات من تحتك كالنمل التي تخرج في الصيف لجمع مؤونة الشتاء.. ما كنت سترى هذا لولا مهندس ألماني كهربائي ربط الأرض بالسماء.. كان البرج بكل جماله وفخامته سيكون بلا روح لو أن الأمر أوكل فقط للمهندس الأمريكي أدرين سميث الذي تفنن في تصميمه.. بربك ما الفائدة لو لم يكن فيه مصعد!؟