لا يختلف المدرسون كثيرًا عن مدربي كرة القدم.. كل واحد له أسلوبه وطريقته ومسلكه وفلسفته.. نفس الدرس ونفس المنهج ونفس المادة لكن كل يغني على ليلاه.. في الثالث ثانوي كان مدرس اللغة العربية مصريًّا اسمه سعيد جاويش.. صارم وشديد وقوي وصاحب شخصية نافذة وساخرة في ذات الوقت.. كان يشرح درسًا في مادة النحو.. يقول إن هناك كلمات مرتبطة بالمرأة لكن لا يضاف إليها تاء التأنيث.. هي قاعدة لغوية لا تقبل أنصاف الحلول.. فمثلًا لا تقول عن المرأة التي تحمل جنينًا في أحشائها "امرأة حاملة" وإنما "امرأة حامل".. ولا تقول عن المرأة التي ترضع صغيرها "امرأة مرضعة" وإنما "مرضع" بحجة أن الحمل والرضاعة أدوار خاصة بالنساء ولا يمكنها أبدًا الارتباط بالرجال.. القاعدة سهلة وبسيطة ولا تحتاج إلى وقت طويل للشرح والإبانة والتوضيح.. كان من بين الطلاب صديق اسمه ثامر وادي.. لم يعجبه الكلام الجازم والفاصل الذي كان يقوله المدرس، وأنها قاعدة ثابتة وراسخة ولا تقبل الجدل.. أراد ثامر أن يعكر مزاج سعيد جاويش فقال له: "هذا الكلام غير صحيح أبدًا وأنا أعرف واحدًا من جماعتنا أرضع ولده".. بدأت تتفلت ضحكات مرتبكة ومضطربة بين زوايا الفصل.. لم يكن جاويش يسمح بأي نوع من الاستهتار والتسيب.. لم يرد أبدًا على تعليق ثامر وتجاهله تمامًا وأكمل الشرح.. أصبت بالاستغراب؛ فليس سعيد جاويش ذلك المدرس الذي يرضى أو يقبل أن يتحول الفصل إلى ساحة تهريج صغيرة.. تمر الأيام سريعًا وبعد شهر تقريبًا يشرح جاويش قاعدة نحوية أخرى لا أتذكرها ولا يمكن التعامل والتعاطي معها إلا بطريقة واحدة، وقال جاويش: "هذه ليس لها إلا هذه الحالة" وواصل بلهجته المصرية: "وما حدش يجيني ويقول زي ما قال تامر وادي.. واحد من جماعتنا أرضع ولده"!!
ومرة ثانية يمر الزمن كالريح التي تسابق نفسها بعدما تناقلت وسائل الإعلام البريطاني قصة رجل يدعى هايدن كروس، يبلغ من العمر واحدًا وعشرين ربيعًا احتفل الأسبوع الماضي بأول مولود ينجبه عندما وضع طفلة أطلق عليها اسم ترينيتي.. وهايدن هذا في الأساس كان امرأة متحولة جنسيًّا ودخل في برنامج طويل لعلاج الهرمونات، كما أوردت صحيفة الديلي ميل التي أشارت إلى أن هايدن أصاب المجتمع البريطاني بالدهشة عقب إعلانه أنه قد يضع مولودًا في الأشهر المقبلة، خاصة بعدما قطع شوطًا كبيرًا من برنامج التحول المكثف الذي ظهرت بوادره بوضوح على جسده وشكله وأسلوب حياته؛ فبدأ الشعر يكسو جوانب وجهه وأصبح له لحية وشارب.. وأوضحت الصحيفة اللندنية أن هايدن توقف فورًا عن تناول أي أدوية خاصة بالتحول بعد شعوره بأعراض الحمل..
ولا أعرف ماذا سيقول سعيد جاويش لو قرأ هذا الخبر المقزز المتعارض مع فطرة الله في خلقه ومخلوقاته، وهل سيتذكر ما قاله ثامر وادي تلك الأيام عن واحد من جماعتهم.. وهل سيتنازل عن القاعدة النحوية التي لا تتزعزع عن مكانها بعد أن يسمع بقصة هايدن كاملة..؟!