كون فايز المالكي موهوبًا وموهوبًا جدًّا فهذه مسألة لا نقاش فيها ولا خلاف ولا اختلاف عليها.. كانت مشكلته في اعتقادي أنه استعجل بريق الأضواء وأراد مزاحمة ناصر القصبي وعبد الله السدحان؛ فمزق نظرية الألف ميل وصعد السلم كله بخطوة واحدة.. سهولة العملية الفنية الإنتاجية في الخليج عموماً قادتنا لفوضى بطولية عارمة.. المقاييس والأدوار والبيادق كلها بيد المنتج.. يبدو أن عين المخرج الثاقبة أصيبت بالرمد والعمى حتى أصبح الكويتي عبد العزيز المسلم مثلاً يتقدم على عملاق مثل سعد الفرج..!!
تعطل أو عطل دور المخرج وفسح المجال ومهد الطريق للمنتج الذي يملك الرصيد والمال والحساب.. صار المخرج موظفًا أجيرًا عند المنتج.. هنا حلت الكارثة.. وذهبت أعمال خالتي قماشة ورقية وسبيكة ودرب الزلق والأقدار إلى أرشيف التاريخ.. صار المجد للمنتج ليس المجد للمخرج..
صار سهلاً عليك أن تكون بطلاً.. بنصف مليون ريال أو أقل بقليل أو أكثر بقليل يمكنك جمع ثلة من الوجوه شبه المعروفة وكاتب قصة متواضع وسيناريو ركيك وتتعاقد مع شركة تركية تتولى أعمال الديكور والتنفيذ.. وتعرض بضاعتك على القنوات والمحطات ثم تتفرج على نفسك بطلاً لا يشق له غبار في ثلاثين يومًا بلياليها..
قاتل فايز المالكي بقوة لفرض شخصية "مناحي" لكنه صار كالذي يصارع الهواء.. بعد مشقة عرف أن الزمن تجاوزها بمسافة بعيدة.. كان يمكن لها أن تنجح لو عرضت في بداية الثمانينيات..
كانت الشخصية خليطًا متناقضًا بين الدهاء والبساطة والغباء والجدية والتهريج.. ألغاها من حساباته ونقلها من الشاشة إلى لوحة على مطعم شعبي.. حارس تشيلسي الإنجليزي البلجيكي تيمبو كورتوا بدأ حياته الكروية ظهير أيسر.. عندما كان ناشئًا شاهده مدربه مارسيل نيز يلعب في هذا المركز فأعاده إلى حراسة المرمى.. وهاهو اليوم واحد من أفضل وأشهر وأبرز حراس أوروبا كلها.. الأندية العملاقة وعلى رأسها ريال مدريد تتمناه يحمي عرينها وشباكها.. هذا ما كان يحتاج إليه فايز المالكي.. كان يحتاج إلى شخص بمواصفات مارسيل يقول له كيف يمثل وما الشخصية الأنسب لموهبته وقدراته..
الصحافة السعودية تفتقد هي الأخرى للناقد الفني الحصيف.. الذين يغطون الفن وأخباره ليس بينهم قلم وحيد يعتد برأيه حول الأعمال والشخصيات والأدوار.. الصحافة في عقيدتها تمنع أن يتحدث صحفي عن عمل الصحفيين الآخرين؛ لذلك يجب أن أكتفي بما قلته وأعتذر إن تجاوزت حدودي..
هذه الأيام ينشط فايز المالكي في عدة مسرحيات لكنني لم أتابع أو أشاهد أيًّا منها وأتمنى أن يكون قد زرع ضحكة من القلب على شفاه الحاضرين كما فعل ويفعل في المجالين الخيري والاجتماعي.. يحسب لفايز المالكي أنه أول مشهور سعودي يسجل حضورًا طاغيًا في العمل الإنساني.. في الغرب هناك عشرات من مشاهير الإعلام والفن والرياضة يساهمون بشكل مبهر في مساعدة الناس على نوائب الدهر.. لزمن طويل كان النجوم غائبين تمامًا عن هذا المشهد باستثناء زيارات مخجلة ومعدودة للمستشفيات والمرضى أيام العيد..!!
الذي يقدمه فايز المالكي الآن نموذج عظيم ومفرح ومحبب للنفس.. يساهم ويساعد ويبادر ويتحرك في اتجاهات عديدة كان الكثيرون يعتقدون أنها دروب وعرة يستحيل سلوكها.. وحتى إذا كان الهدف من وراء كل ما يفعله تحقيق شهرة إضافية أو تسويقًا شخصيًّا واستعراضًا كما يظن الظانون فغيره وسواه ليتهم يمشون على ذات الخطى وذات النهج حتى إن كانت الغاية مفخرة زائفة..
الناس لا يهمها الوسيلة.. لا يهمها كيف وصلت.. يهمها أن تصل محملاً بالبشائر والخيرات والمسرات.. وهذا ما فعله فايز.. انغمس هذا الفايز كثيرًا بالواجبات الاجتماعية ـ إن صح التعبير ـ على طريقة الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي.. اللاجئون والمستضعفون والغلابة والذين غلبهم الفقر وانتصرت عليه الحاجة والفاقة يعرفون أنجلينا جولي امرأة تساعدهم وتساندهم وتخفف عنهم البلاوي والمصائب والأذى والكرب والفواجع.. المخمليون والميسورون والمنعمون والذين يعيشون حياة هادئة مطمئنة يعرفون أنجلينا ممثلة رائعة ومتمكنة وتختار أدوارها وشخصياتها بعناية فائقة.. فايز المالكي مثل أنجلينا تقريبًا عندما نتحدث فقط عن الأخذ بيد محتاج.. في الفن يحتاج فايز إلى مارسيل جديد يأخذ بيده!!