قبل أيام خرج علينا أمين جامعة الدول العربية ابن العربي نبيل، وقال إن مجلس الأمن يتحمل المسؤولية كاملة وراء ما يحدث في سوريا من قتل وتشريد ومجازر.. ويبدو أن نبيل فقد الذاكرة وأصيب بالخرف والزهايمر، ليس لأنه نسي مواقفه مع الثورة السورية، ولكن لأنه نسي أن مواقفه هذه مسجلة صوتاً وصورة، ويمكن بضغطة زر والاستعانة بموقع اليوتيوب تستعيد ذكرياته، وهو يتكلم شخصياً في مجلس الأمن ويقف في وجه أيّ تدخل عسكري يوقف جنون طاغية دمشق.. كان هذا الكلام والضحايا لم يصلوا إلى عشرين ألف قتيل برصاص ومعدات ومساعدة الروس والإيرانيين الذين يعتقد نبيل العربي أنهم جزء لا يتجزأ من أيّ حلٍّ وصفقة سلام تحقن الدم الشامي الغالي.. الآن تجاوز عدد الضحايا المائة ألف، فهل يتحمل نبيل وغيره من العرب الرافضين للتدخل الأجنبي مسؤولية مقتل الثمانين ألفاً الآخرين أم أنهم مجرد رقم في نشرات الأخبار؟. نبيل العربي وغيره من العرب الداعمين للأسد من وراء حجاب هم شرّ البلية.. هم من أعطى الروس والإيرانيين الحقّ في التوغل والإمعان وبيع الدم السوري بثمنٍ بخس.. هم الذين حوّلوا الموت والدمار والخراب والهلاك إلى مجرد لعبة سياسية ومفاوضات يتم تداولها وكأنها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. بعض السياسيين العرب وعلى رأسهم نبيل العربي يظنون أن الناس تظن بأن السياسة إنما تدار بعقلية الكلام يغني عن الأفعال.. وأن الناس تغرق في جهالة التفاصيل وأسرار العلاقات الدولية وتضارب المصالح. إن موقف الروس مثلاً واضح وضوح الشمس فهم يقاتلون بجانب الأسد، ويمدونه بكل الأسلحة لأنهم إذا خرج طبيب العيون من المشهد وتم استئصاله كورمٍ خبيثٍ لا يرجى برؤه فإنهم في هذه الحالة سيكونون فقدوا يدهم وصوتهم وذراعهم الطويلة في البحر المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط. أما الإيرانيون فإنهم أنفسهم يقولون إن سقوط طهران أقل ضرراً عليهم وعلى مستقبلهم من سقوط دمشق.. لهم حساباتهم الواضحة والصريحة والمعلنة.. وهذا أيضاً يقال عن عراق نوري المالكي ولبنان حزب الله.. لكن نبيل العربي ماذا سيجني إذا بقي النظام الأسدي المجرم على رأس السلطة؟ وهذا هو المستحيل بعينه.. أما المستحيل الآخر أن يقنعنا من هم على شاكلة نبيل العربي أن الناس يجهلون توجهاته وآراءه ورؤيته حول القضية.. ولولا التدخل الخليجي الإنساني والعقلاني والسياسي ومنذ اللحظة الأولى لأستمر مندوب سوريا أحمد يوسف حتى الآن يردح في جامعة الدول العربية ويفنّد ويرد ويبرر جرائم الأسد، كما يفعل بشار الجعفري في الأمم المتحدة.. على فكرة يوسف هذا الذي يتبوأ منصب سفير سوريا في القاهرة لا يزال يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ولا يزال ينعم بالأمان في ظل الحكومة المصرية الحالية التي لا ترى جدوى من طرد سفير نظام طاغية دمشق. إن بعض المواقف العربية لا تقل خطورة على الثورة السورية من أسلحة إيران والروس.. الفرق فقط أن من يرسلون الأسلحة واثقون من أنفسهم.. أما من يرسلون الكلام مثل نبيل العربي فهم أيضاً واثقون من أنفسهم.. وواثقون أن الأسد ساقطٌ لا محالة.