|


صالح الخليف
من دروس التاريخ
2013-03-17

كلمة قالها والده وصدق ميه بالميه.. قال له يا ولدي إن أرض مقدونيا لأضيق من أن تتسع لك.. كان طفلاً صغيراً يافعاً فإذا به يشاهد ويراقب ويرى كافة الضباط والقادة العسكريين يفشلون في ترويض حصان جامح.. قال لوالده امنحني الفرصة لأكسر عناد هذا الحصان المتمرد.. سخر الأب من طلب ابنه الصغير.. أصرّ الطفل واثقاً من أنه سيتغلب على الحصان وسيروضه بسهولة.. وافق الأب بعد نداءات وتوسلات الصغير الكثيرة.. تقدم إلى الحصان ونظرات الاستهزاء والسخرية والاستخفاف تحيطه من الجميع، وأولهم أبوه.. وقف الصغير أمام الحصان وأداره إلى الجهة الأخرى.. فهدأ الحصان الجامح وصار حملاً وديعاً.. استغرب الجميع من هول المفاجأة.. ناداه أبوه وسأله ماذا فعلت؟.. قال له ببساطة: كانت أشعة الشمس خلف الحصان، وكان كلما تقدم منه أحد رفع رأسه ورأى ظله مرسوماً على الأرض فيفزع ويثير كل شيء حوله.. أدرته للجهة الأخرى فاطمأن وهدأ.. هذا كل ما فعلته. هذا الطفل الصغير هو الإسكندر المقدوني الذي لم يعش أكثر من اثنين وثلاثين عاماً كانت حافلة ببطولات تاريخية خلدها التاريخ منذ آلاف السنين.. نقلته طموحاته إلى أصقاع الدنيا، فبُنيت باسمه عشرات المدن، أشهرها الإسكندرية المصرية التي يلقبها المصريون بعروس البحر الأبيض المتوسط.. مات بالملاريا. هذا البطل الذي روض الخيل في صباه ورضخت له كل جيوش وقوات الأرض، ووصلت أمجاده حتى بلاد الهند، سقط أسيراً للبعوض والهواء الفاسد.. عاش الإسكندر سنوات قليلة في أرقام الحياة.. حياة سريعة مرت كلمح البصر في حسابات الزمن لكنها عميقة؛ وهذا هو الأهم.. لقد صدقت نبوءة الأب.. فالطفل لم تسعه مملكة إغريقية يحكمها المقدونيون وإنما أراد أن يضع له بصمة في كل جزء تطاله يداه.. وهو ما حدث بالفعل. إنه درس بسيط من دروس التاريخ العميقة، وكم في هذا التاريخ من دروس مجانية يمكن أن نتعلمها وننهل منها.. إن هذا التاريخ باب مفتوح، وسيظل مفتوحاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. فمن أراد فعلاً أن يتعلم فليتقدم وبسرعة ولا ينتظر قبولاً أو مقابلة شخصية.. الإسكندر عنوان كبير.. حياة قصيرة ومجد لا يعرف منتهاه.. مجرد درس.