علاقتي مع حسني مبارك تاريخية وأبدية وإستراتيجية.. بالطبع لا يعرفني من قريب أو بعيد، فهو رئيس سابق لدولة عملاقة وكبيرة ومؤثرة في المنطقة والعالم أيضاً.. وأنا من عامة الناس.. أقصد أنه حبٌّ من طرف واحد.. ويقول المختصون في مجال الغراميات أنّ هذا النوع من العشق ألذّ وأشهى وأعمق. كان (أبو علاء) وهذا الاسم المفضل الذي لو التقيته سأناديه به.. من بين أبرز الشخصيات التي كنت أتمنى الجلوس معها.. أعتقد أن حسني جاء لقيادة بلاده وسط ظروف قاسية وصعبة وخطيرة تمثلت في اغتيال السادات مطلع الثمانينيات، الأمر الذي يعني أن الدولة توشك على مرحلة انتقالية حساسة.. ملطخة بالدماء والفوضى.. للأسف إن التاريخ يكتبه المنتصرون دائماً.. الذي يذكر محاسن حسني في مصر الآن سيكون مثل الذي سرق حذاء الخليفة بعد صلاة الجمعة أيام الدولة الأموية.. يرقد أبو علاء الآن في محبسه عاجزاً يصارع المرض وقد تجاوز الثمانين من عمره.. أظنه بين حين وآخر يردد ما قاله زهير بن أبي سلمى: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أباً لك يسأم بالتأكيد إن حسني ارتكب أخطاء عديدة في الثلاثين عاماً التي كان خلالها صاحب القرار الأول في أم الدنيا.. إنه إنسان يخطئ ويصيب.. هذا إذا تعاملنا مع المسألة بتفريغها من العوامل الإدارية والضغوط والمتغيرات على كل الاتجاهات والأصعدة.. لست الآن مداحاً ولست المتنبئ، وليس أبو علاء سيفَ الدولة الحمداني.. يعني لن أقول له: "كأنك في جفن الردى وهو نائم..."؛ الذي أقوله: إن محمد حسني مبارك قائدٌ عربيٌّ تاريخيٌّ وأحد عقلاء السياسة العربية طوال السنوات الثلاثين الماضية. أتذكر موقفه البطولي أثناء حرب الخليج، وكيف تجاهل أصوات لا ترى أكثر من خطوات أقدامها ورفع راية الدفاع عن الحقّ في وجه مغامرات صدام حسين وأتباعه.. كان حسني مبارك قليل الكلام.. ليس رجل خطابات وتهديد.. كان رئيساً على النمط الغربي.. ليس على طريقة الحجّاج بن يوسف الثقفي.. لم يخرج ولا مرة يهدد المصريين ويتوعدهم.. لم يقل أبداً: إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها. في تاريخه كانت مصر آمنة مطمئنة.. وقف في وجه الإرهاب بحزم وقوة وبأس شديد.. ظلت علاقاته تنطلق من أدبياته الشخصية.. عندما تعرض لمحاولة الاغتيال في أديس أبابا لم يرمِ مصر في جحيم تصفية الحسابات والنزاعات، عاد أدراجه وبسرعة إلى القاهرة وصارت القضية نسياً منسياً. إنه شخص باختصار لا يرتهن ولا يحبس نفسه في الشخصنة كما يفعل غيره.. قبل أيام طالب المصريين من محبسه بالالتفاف حول الرئيس الحالي محمد مرسي، وطالب أيضاً بوقف التظاهرات وإعادة الهدوء لبلدهم.. توقفت طويلاً عند كلامه.. تذكرت أن مثل هذا الكلام لا يمكن استغرابه.. ربّما يستغربه غيري ويقول إن محمد حسني مبارك كان الأولى به أن يوصل رسالة للرئاسة المصرية والحكومة ويطالبها بالرأفة بالشعب ليسكب مزيداً من الزيت على النار.. لكن أبا علاء ليس انتهازيّاً أو رجلاً يتاجر بالقضايا لمصلحته وهواه.. مرة أخرى أقول: إن التاريخ يكتبه المنتصرون لأنّ الخاسرين سيكونون حينها إما موتى أو مساجين أو خائفين ومطاردين. أيّها التاريخ.. لا تتركهم وحدهم يكتبونك هذه المرة.. ليس إنصافاً وعدلاً لرجل مثل حسني مبارك.. لكن فقط حتى نتعاطى معك بمصداقية وعقلانية.. ألم يقولوا عنك بأنك أيّها التاريخ لا تكذب؟.. فعلاً لا تكذب.. ولا تتجمل فقط، بل ولا تصب بالزهايمر والخرف وأنت في عزِّ شبابك.