اندلعت النيران في مقر اتحاد كرة القدم وغطى الدخان سماء القاهرة.. وكأن حرباً قد اشتعل لهيبها بجوار النيل.. والسبب أن من يسمون بألتراس النادي الأهلي لم يعجبهم النطق بالحكم وإعدام واحد وعشرين متهماً على خلفية أحداث ما عرف إعلامياً وشعبياً بمجزرة بورسعيد.. نظرياً يفترض أن هذا الحكم القاسي يرضيهم ويعجبهم ويشفي غليلهم وهذا بالضبط ما حدث لدى بعض أعضاء الألتراس وتناقلته شاشات الفضائيات لولا أن العقل الجماعي الفوضوي كان له رأي آخر.. طوال الأيام الماضية كان المزاج العام للألتراس يشير إلى جاهزيته التامة لحفلة تخريب كبيرة وهدد أعضاؤه بأن الحكم إذا تم تأجيله كما أشيع أو خففت العقوبات فإن ردهم سيكون قوياً وحازماً.. عندما صدر حكم الإعدام قبل أسابيع وقبل إحالة أوراق القضية للمفتي للتصديق على أحكام الإعدام الصادرة احتفل أنصار الأهلي وألتراسه بتلك الخطوة وعندما أصبحت واقعاً فعلياً ينتظر التنفيذ انقلبوا على أعقابهم وغضبوا وكأنهم يرددون ما قاله جرير في لحظة افتخار: إذا غضبت عليك بنو تميم حسبت الناس كلهم غضابا إن ما يحدث في مصر اليوم وذلك الدخان المتصاعد بمحاذاة البرج ما هو إلا دليل على فوضى قلناها كثيراً ولا يعلم نهايتها ومداها وآخرتها إلا علام الغيوب.. إن مصر تعيش فوضى الحواس كما ورد في رواية الكاتبة الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي حيث هناك رجل يحول الفوضى إلى فلسفة في التعاطي مع الحياة ويصطدم بامرأة ضعيفة تفشل في تعديل سلوكه.. المشكلة في مصر كما قلت هي الفوضى العارمة التي حولت أم الدنيا إلى غابة و(كل من إيده إله) كما يقول السوريون.. لدرجة أن الشرطة التي تحمي الناس من الأشرار والمخالفين والبلطجية والخارجين عن القانون صارت هي نفسها تبحث عن الأمان وتتسول حمايتها.. الشرطة في الحالة المصرية الحالية أصبح عنوانها العريض.. كالمستجير من الرمضاء بالنار.. ماذا كان يريد الألتراس الأهلاوي من القضاء المصري؟.. سؤال بسيط.. وإجابته هي القصاص من القتلة الذين ساهموا في مصرع العشرات خلال أحداث بورسعيد.. وعندما جاءهم القصاص عبر القضاء.. رفضوا وغضبوا وأحرقوا.. إذن الإجابة خاطئة فلم يكونوا يبحثون عن القصاص والعدالة.. كانوا فقط يريدونها خراباً ولا يريدونها آمنة مطمئنة.. خربوها بأيديهم.. وطبخ طبختيه يا الرفلة آكليه.. كما يقول الخليجيون.