في السياسة هناك اختلافات ومفارقات.. وبينهما متشابهات.. في السياسة أشياء تستعصي على الفهم إذا أردنا إسقاطها على الواقع والمنطق والعقل.. في السياسة تحتار.. وتسأل نفسك.. أي نوع من المرض هذا. سآخذ وجهين وقولين.. لعلهما يكفيان.. يكفيان لمعرفة أن ما يقال هو المضحك المبكي.. ضحك.. والله كالبكاء.. الوجه الأول الرئيس السوري المجرم قاتل الأطفال والنساء.. ظهر قبل أيام متحدثاً لصحيفة صنداي تايمز.. ظهر واثقاً من نفسه ومشككاً برقم عدد قتلى أعلنته الأمم المتحدة لأبرياء سقطوا بنيران جيشه وعصابته.. ووصف من يرفع السلاح في وجوه شبيحته بالإرهابيين.. وأكد أن السوريين وحدهم لهم الحق في تحديد مصيره كرئيس يمكنه الاستمرار أو الرحيل.. ورغم أن وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ وصف هذا الحوار بالأكثر هذياناً في التاريخ، فإن هناك أسئلة شبه مشروعة.. أولاً من هو الإرهابي الحقيقي.. الذي يقصف الناس العزل بالطائرات والصواريخ والدبابات أم هو ذلك الذي يحمل سلاحاً خفيفاً دفاعاً عن نفسه وماله وأهله وعرضه؟. الملايين الذين خرجوا يطالبون برحيله في كل شبر من خارطة سوريا.. ألم يكونوا سوريين أم هبطوا على حمص وحلب واللاذقية ودرعا ودير الزور من الفضاء قادمين مع الرحالة النمساوي فيليكس..؟. وجه آخر.. الرئيس المصري محمد مرسي المولود من رحم جماعة الإخوان المسلمين.. العالم الإسلامي بأغلبيته، وأيضاً السوريون الضعفاء أنفسهم يطالبون بالتدخل الخارجي أو على أقل تقدير تسليح الجيش الحر.. هذا المطلب المشروع الذي بدأت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا تقره وتقترب من تنفيذه، إلا أن مرسي له رأي آخر تماماً بالوقوف ضد التدخل الخارجي وضد تسليح المعارضة، والسبب على حدِّ زعمه أن هذا سيحوِّل سوريا إلى خراب، ويهدم مؤسسات الدولة.. وكأن سوريا الآن هي نسخة مستنسخة من سويسرا أو السويد أو على أقل تقدير الفلبين. بالطبع أن الرئاسة المصرية لا يمكن أن تلعب أيّ دور فعّال سواء في عملية التدخل الخارجي أو تسليح الثوار والجيش الحر، لأنها مشغولة باقتصادها المنهار، ومشغولة بمواجهة العصيان المدني ومشغولة بمن قتل محمد الجندي ومشغولة بقضية خالد علم الدين الذي أقيل من وظيفته مستشاراً للرئيس بسبب ما قيل أنه استغلال للمنصب. وليت القيادة المصرية -وهي تملك رؤية أكثر نعومة وأكثر رأفة- أن تخبر العالم بالبديل عن التدخل أو التسليح.. بالتأكيد ليس لديها بديل؛ ربما يكون البديل هو الحوار مع الطرف الإيراني الشريك الإستراتيجي لقتل ما يقارب 100 ألف سوري. إن بشار الأسد يعيش في عالم محاط بالأوهام والخداع والأكاذيب.. والأوهام والخداع والأكاذيب موجودة ونعرفها ونسمع بها ونتعايش معها.. أما مرسي فيعيش في عالم ليس له وجود.. إلا إذا كانت إيران بيديها الملطختين بالدماء يمكن أن تبتسم ابتسامة الأبرياء الضعفاء ونصدقها.. هنا تختلف المعادلة.. ونفهم كل شيء.