قلت هنا قبل أيام تعليقاً على عملية انتخاب رئيس اتحاد كرة القدم السعودي إنني أكره الانتخابات في العالم العربي وأمقتها وأحتقرها وتصيبني بالغثيان والاشمئزاز.. وأظنها أبرز أدوات تقليد أعمى وأبكم وأصم.. ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.. أولاً الإسلام هذا الدين الحنيف العظيم لم يُحَرِم الانتخابات.. لكنه في نفس الوقت لم يقرها أو يفرضها أو يتبناها أو يشرعنها وينظم أدواتها.. أقصد يفترض ألا يرفعها أحد أياً كان وكأنها عمل فيه من القداسة ما يستحق الاحترام والتبجيل، فرسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) كان يقدم ويهيئ أبا بكر لقيادة المسلمين من بعده.. ولعل قصة بناء المسجد مؤشر واضح لهذا التوجه بقوله ـ صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة هؤلاء الخلفاء من بعدي". أما أبو بكر فقد شاور ذوي النظر والمشورة من الصحابة فاتفقوا كما هو معروف على أن يصبح عمر بن الخطاب أول أمير للمؤمنين.. أما عمر فاختار ستة من صحابة الرسول الذي توفي عليه الصلاة والسلام وهو عنهم راضٍ وطالبهم بالتشاور لاختيار أحدهم وهكذا تولى عثمان الخلافة.. هذا مختصر سريع لطريقة اختيار القادة في الإسلام ومنه يتضح أن لا مكان للانتخابات التي تعرف بعملية صنع القرار التي يقوم بها الشعب.. وللأمانة فإن العالم العربي ليس أرضاً خصبة يمكن أن تترك فيها القرارات للشعب فتؤتي ثمارها زيتونا ونخلا وفاكهة وأباً.. مثلا هذه مصر وهي التي يتحدث أهلها ليل نهار عن فوائد الديمقراطية يعيش وكما يقول الاقتصاديون المصريون أنفسهم 47 % من شعبها وسكانها تحت ما يسمى خط الفقر.. أي قرابة نصف الشعب.. أي قرابة الأربعين مليون مصري.. أربعين مليون مصري يعيشون على ثلاثة جنيهات يومياً.. إضافة إلى أن 40 % من الشعب وكما يقول المصريون أيضاً أميون وجهلة.. هذا النوع من البشر من السهل التأثير عليه وشراء ولاءاته لدرجة أن وجوهاً سياسية مصرية خرجت وألمحت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين استأثرت بأصوات الكثير من الغلابة عن طريق منحهم زيت وسكر في معركة فرض الدستور.. والشاعر والروائي الأسكتلندي الخطير ستيفنسون يقول: "الجائع لا يكون حراً".. في المجتمعات الغربية المتطورة والمتحضرة والمتعلمة تنجح الديمقراطية والانتخابات لأن رئيس الدولة لن ينادي الشعب بعد فوزه أمام منافسه بأهلي وعشيرتي.. الغرب متعلمون وحضاريون ويتطلعون إلى مستقبل أفضل فلا يهتمون بشخصية الرئيس وانتماءاته وأهله وعشيرته وإنما برنامجه الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي.. حتى أختارك وأمنحك صوتي ماذا ستقدم لي ولأولادي وإخواني.. أمريكا مثلا اختارت أوباما رغم أصوله الأفريقية.. ليس من أهلهم ولا حتى من عشيرتهم الأقربون.. إن حال العرب مع الانتخابات كما هو حال بني إسرائيل مع موسى عليه السلام.. "قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون". فالعرب يتحدثون ويتفاخرون ويطيلون الكلام عن الديمقراطية والانتخابات والشعب قال كلمته.. بينما هم أساساً يفتقدون للديمقراطية حتى في بيوتهم وحاراتهم وكافة تعاملاتهم العملية والعائلية.. والشعب الذي قال كلمته ربما جاءت هذه الكلمة مقلية بالزيت النباتي وسكرها زيادة.. الإنسان العربي لديه حسابات قبلية وطائفية ومناطقية ونظرته للأمور ضيقة ولهذا سيكون دائماً أسيراً لإرث عميق في الثقافة الاجتماعية والشخصية المبنية على أساس "أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب". ومن هذا المنطلق فإن الطريقة الأمثل والأصلح والأجدر بالاهتمام والتعاطي والتطبيق على أرض الواقع العربي هو ما فعله الصديق أبو بكر رضي الله عنه حينما أوكل الأمر لذوي النظر والمشورة والحل والربط لتحديد مستقبلهم.. أما أن أترك مصيري بيد الجوعى والمعدومين فهذه مصيبة.. بالفعل الفقر ليس عاراً وليس عيباً والمثل الإنجليزي يقول: "ليس الفقر عاراً لكنه كبرى العقبات".. لو جمعت لكم في جزيرة عربية منفصلة عن العالم 10 أشخاص بينهم طيار وطبيب ومهندس ومحام ومعهم ستة آخرون لا يقرأون ولا يكتبون ولا يملكون قوت يومهم وأحضرت متنافسين على كسب أصواتهم فقال الأول إنه سيدخلهم في دورة غوص متطورة لمدة أسبوع واحد فقط ستساعدهم على الخروج من هذه العزلة أو على الأقل ستوفر لهم كل يوم صيداً معقولاً من أسماك البحر يسد رمق جوعهم ـ حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.. وقال الآخر إنه سيعطي كل واحد منهم 10 آلاف دولار عداً ونقداً والآن وبدون تردد.. بالتأكيد أن الطبيب والمهندس والطيار والمحامي سيفضلون ذلك الذي يمنحهم الأمل بالحياة.. أما أصحابي الفقراء فإنهم سيصوتون وبصرخة واحدة: "بالروح بالدم نفديك يا دولار".. أيها العرب المرجفون.. رويداً.. رويداً.. اتركوا الانتخابات لأهلها وأصحابها ومخترعيها الذين فصلوها على مقاسهم.. وتعالوا إلى كلمة سواء.. في أمريكا وفرنسا عندما تنتهي الانتخابات تعود الحياة كما كانت وبسرعة.. في عالمنا العربي الجميل الذي علم البشرية الحضارة كما تقولون تنتهي الانتخابات.. ويبدأ الجهل.. ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. حتى المتنبي قائل هذا الشطر من البيت التاريخي يحلم بالسلطة.. رغم أنه شاعر متسول لا أكثر ولا أقل.. ورحم الله العرب.