|


صالح الخليف
سائق تاكسي يدرب المنتخب
2012-12-30

متعصب أنا.. وأتمنى أن لا أكون ممن ينطبق عليهم قول الزعيم الهندي التاريخي مهاتما غاندي: "الغضب والتعصب يعميان الإنسان عن الفهم الصحيح".. وحتى لو انطبق كلامه فهذا لا يهمني.. لأنني اعترفت بالتعصب من البداية وهذا يكفي.. فالاعتراف فضيلة.. متعصب جداً جداً جداً للسعودة.. وتفتح نفسي تلك الأماكن التي تطغى فيها الشمغ والعقل والثياب على البدل والكرافتات.. لذلك كلما دخلت مبنى أحد البنوك بالرياض أشعر بالارتياح رغم أن علاقتي مع البنوك ليست على ما يرام.. والبنك لولا لوحته ما عرفناه.. وأعتقد أن هذا هو المقياس الأبرز للوطنية.. بهذه الطريقة يمكنك قياس وطنيتك.. وأرجو أن تكتبوا هذا الاكتشاف باسمي.. فالوطنية ليست تشجيع منتخب الناشئين في بطولة للسباحة أو تنس الطاولة أو كرة اليد.. الوطنية أعمق كثيراً.. لكنني مضطر.. وأرجو أن تسامحوني أن أستثني من السعودة شغلتين لاثالث لهما.. لا أحب رؤية سائق تاكسي سعودي ولا أحب أسمع سيرة مدرب وطني سعودي.. في هاتين الشغلتين أقف ضد السعودة علانية وبكل وضوح وصراحة.. وليس كما تقف القيادة المصرية ضد الثورة السورية من خلف الستار.. في كل مطارات العالم عندما تنهي إجراءات الجوازات تجد أمامك سائق تاكسي ينزل من سيارته ويحمل حقائبك ويضعها في الشنطة وأحياناً يبالغ بعضهم ويفتح لك الباب.. هذا ليس تصرفاً مهيناً أو ذليلاً.. لكنه من صميم ثقافة مهنة سائق التاكسي.. وعندما تركب معه يلتزم الصمت ويكون حديثه معك حديث الغرباء.. يعني الجواب على قد السؤال.. طبعاً هناك استثناءات ضرورية في بعض الدول العربية.. يتكلم معك سائق التاكسي لعله يدخل قلبك وتزيد من مؤونته وأجرته.. هذا رهانه الوحيد.. اللعب على عامل الوقت.. سائق التاكسي السعودي في مطار الرياض مثلاً يتفاوض معك على القيمة وهو جالس في مقعده.. هو في الأساس موظف متقاعد أو شاب اضطر إلى احتراف هذا النوع من العمل أو أنه خارج دوام.. وإذا حكم عليك الزمن وركبت معه فإنك ستحتاج إلى حبة بنادول أول ما تنزل من كثرة كلامه على رأسك.. المحصلة النهائية أن سائق التاكسي ما يصلح يكون سعودياً.. هذه وجه نظري.. ولو توسعت في هذا الجانب لكشفت مواقف واجهتها وسمعتها بعضها يضحك.. وبعضها يبكي. أما المدرب الوطني فهو للأمانة مثل سائق التاكسي.. يحمل العشرات بل المئات من السعوديين هذه المهنة ويحترفونها.. في الواقع هو مجرد لقب أو صفة أو مسمى وظيفي من أجل أن يفتح ويشرع أمامهم أبواب الكلام والتحليل والبربرة في القنوات الفضائية.. يتكلمون ويحللون وينظرون أكثر مما يدربون.. هناك حزب واسع من المحامين المتطوعين دفاعاً عن قضايا المدرب الوطني.. ويرددون نفس الأسطوانة الرخيصة حاملة معها تلك العبارة البغيضة (امنحوهم الفرصة). أولاً هؤلاء المدربون لم يأتوا من كوكب آخر.. أقصد أن أنديتهم تعرفهم عز المعرفة وتعرف فكرهم وأسلوبهم وطريقتهم.. يعني عجنتهم وخبزتهم.. والذي يراجع أسماء مدربي الأربعة عشر نادياً سعودياً في دوري الأضواء يصل لقناعة تامة بأن المشكلة ليست في الأندية التي يقودها الأجانب.. وإنما في الخبز وعجينته المضروبة.. ربما نجح واحد أو اثنان أو ثلاثة من المدربين الوطنيين.. يعني كل عشرين سنة ينجح واحد.. أما القاعدة الأساسية للمدرب الوطني فهي بقاؤه في خانة الطوارئ والفزعات.. وليس هناك سواء من المحليين المصنفين في قائمة المحاماة عن المدرب الوطني أو حتى الجماهير يقنعه أي مدرب وطني يقود فريقه.. إدارات أندية الهلال والنصر والشباب والأهلي والاتحاد يستحيل أن تسلم رقبتها لمدرب وطني.. إلا في حالة طارئة وضرورية.. وعند الضرورة تحلل المحرمات.. تركيبة المدرب الوطني السعودي تفتقد لأشياء كثيرة.. منها الكريزما والتأهيل والفكر والخبرة والحيوية والتطوير. استعرضوا كافة المسابقات الكروية حول العالم ستجدون أن أكثر من نصف الأندية يقودها مدربون من نفس البلد إلا عندنا.. يطلبون أن نعطي الفرصة للمدرب الوطني وأين.. مع المنتخب.. ومسكين هذا المنتخب الذي حكم عليه أن يكون في حالة طارئة بصفة مستمرة وكأنه سائق إسعاف. أيها الوطنيون وما أكثركم ليس أمامكم سوى حلين.. والثالث ما بيرضيني.. أما أن تنضموا إلى رأيي وتؤيدوني بكل ما قلته جملة وتفصيلاً وتتعصبون كما أتعصب وترفضون رؤية سائق تاكسي سعودي ومدرب وطني.. أو تطالبوا أنديتكم التي تشجعونها وتتعصبون من أجلها بأن تطرد الفرنسي والأورجواني والبلجيكي والأسباني وتعطي القيادة لأسماء وطنية.. فالمنتخب السعودي ليس هو فقط المفروض أن يمنح الفرصة للمدرب الوطني.. أو أنكم اختلطت عندكم الرؤية وتظنون السالفة كلها مجرد توصيلة إلى المطار بقيادة سائق تاكسي سعودي.