|


صالح الخليف
أغلقوهابالشمع الأحمر
2012-12-28

ممكن أن تتعلم كل شيء إلا أن تكون مبدعاً وموهوباً وعبقرياً.. تتعلم تطبخ وتنفخ ... تتعلم تسوق السيارة وأيضاً الطيارة... تتعلم توجيه منصة صواريخ متطورة باتجاه الهدف... تتعلم تغني مثل عشرات المطربين الذين تعلموا في يوم وليلة كيف يجلسون على قلوب الناس العمر كله. على الطرف الآخر لا يمكن أن تتعلم أن تصبح رساماً مثل بيكاسو حتى لو كان أبوك وخالك وعمك يملكون مال قارون وقرروا في اجتماع عائلي طارئ ضخ الملايين من أجل أن تكون أحد الذين يتلاعبون بالريشة والألوان... لن تكون رساماً إلا إذا كنت تملك موهبة خارقة... كذلك هي كرة القدم من المستحيل أن تتعلمها أو تتقنها أو تكون في عداد نجومها دون أن تكون في الأساس ومن يوم ولدتك أمك وأنت ما أحد يقدر يأخذ الكورة من رجلك. ولا أرى بأكاديميات الناشئين التي بدأت بالانتشار (اليومين دول) على طريقة عيادات الأسنان ومطاعم الرز البخاري إلا أنها مكاناً ترفيهياً يرسل من عندهم (فلوس زي الرز) أولادهم وفلذات أكبادهم عشان ينبسطون ويلبسون شعارات برشلونة ويلعبون على العشب الأخضر ويقطعون وقت فراغهم... أقول بكل وضوح وكل صراحة وكل شجاعة إن هذه الأكاديميات ليست سوى أرض خصبة للوناسة وسعة الصدر... لا يمكن أن تعلمهم أساسيات كرة القدم... المدربون يعلمون اللاعبين أنواع التكتيك والطرق التي يواجهون فيها خصومهم لكنهم يستحيل عليهم أن يصنعوا منهم مواهب فذة... مارادونا وبلاتيني وماجد عبدالله ويوسف الثنيان لم يتخرجوا من أكاديميات لكنهم كانوا يقدمون الكرة على طبق من متعة... وما أقوله عن كرة القدم أقوله بالضبط عن الصحافة... لا يمكن أن تتعلمها... درست في قسم الصحافة في جامعة الملك سعود وهذه غلطة حياتي... كنت أدرس الصحافة في الجامعة وأمارسها عملاً مهنياً في نفس الوقت... في الصحف تعرف أسرار المهنة وتفاصيلها وقصتها من الداخل... في الجامعة مجرد أساتذة ترتدي النظارات السميكة وتقرأ على مسامعك قوانين النشر والهرم المقلوب وحارس البوابة... جميعها ليس لها صلة بالواقع... الدكاترة في الجامعة ناقمون ويتحدثون عن الصحفيين بشيء واضح من الاستعلاء وبلغة متعجرفة... عرفت شيئا بسيطا أظنه يصلح لأن يكون قانوناً ودستوراً صحفياً... الصحافة ليست لها قاعدة... نعم هناك أساسيات ولغة وعناوين لكن من يريد أن يحشرها ويخنقها في إطار بروتوكولي إنما هو في حقيقة الأمر يخرجها عن حيويتها ويقتل فيها روح التعاطي مع الحدث... حتى الصحف الرصينة والرسمية تخلع أحياناً ثوب وقارها وتمارس صحافة لا تتقيد بشروط وتعليمات... أظن أن الإعلام والصحافة لا يستحقان أن يكونا أقساماً مستقلة في الجامعات... تدريس الإعلام مثل تعليم كرة القدم... المشروع في النهاية مصيره الفشل. ثلة لا ترى بالعين المجردة هم أولئك الذين درسوا الصحافة أكاديمياً وحققوا نجاحاً مهنياً... أغلب الصحفيين المبدعين والمهمين لم يدرسوا المهنة في الجامعات أو المعاهد... يقول صانع فرنسا الحديثة وباني أمجادها وزعيمها التاريخي نابليون: "دعوا الطريق مفتوحة للموهبة". اسمعوا كلامي وخذوني على قد عقلي وأغلقوا أقسام الصحافة في الجامعات لأنها لن تستطيع تخريج صحفيين عباقرة... أغلقوا أكاديميات كرة القدم بالشمع الأحمر أو اعترفوا إنما وضعت من أجل كسب المال أو توسيع صدور أولاد من عندهم ما ليس عند غيرهم.