|


صالح الخليف
انتخابات خط البلدة
2012-12-25

أفرطوا في مديحها حتى خُيل لنا أنهم اخترعوها.. وما اخترعوها وما اكتشفوها ولكن شبه لهم.. بالغوا في الكلام عنها.. وفي عز الكلام سكت الكلام.. ومشينا تحت القمر.. غنينا وسهرنا وحكينا.. أسهبوا في التغزل بأيامها ولياليها ولحظاتها حتى وصلوا حافة الهوس والجنون بها.. وقالوا جننت بهن تهوى فقلت لهم.. ما لذة العيش إلا للمجانين.. هذا هو حالهم مع انتخابات اختيار رئيس اتحاد كرة القدم السعودي التي أجريت يوم الخميس الماضي وفاز بها أحمد عيد. فعن هذه الانتخابات قيل ثناء طويل ومديح عريض.. ولو كان من بينهم شاعر لارتقى السلم وأنشد قصيدة عصماء تليق بذلك اليوم التاريخي. أعطوها أكثر من حجمها.. هذه هي كل الحكاية.. لمن لا يريد الزيادة. العملية الانتخابية عادية وأقل من عادية ولا تحتاج كل ذلك الهيلمان أو الزفة والهرج والمرج.. المصوتون لا يزيدون عن (62) شخصاً ومع كل الحب والتقدير لهم يمكن جمعهم في حافلة من طقة (خط البلدة) والذهاب بهم إلى استراحة فاخرة شمال الرياض ودعوتهم على بوفيه مفتوح.. وبعد تناولهم ما لذ وطاب ينتقلون بكل سلاسة إلى صالة أخرى مجهزة وسيطلب من كل واحد منهم كتابة اسم مرشحه بين المتنافسين لوضعه في صندوق مخصص لاختيار الرئيس الجديد.. وهناك طريقة أسهل وأسرع وأوفر.. لكنها تشترط أن يثق بي الجميع ثقة عمياء وطرشاء وصماء.. فأتكفل أنا شخصياً بتحمل كامل إجراءات الانتخابات وأطالب كل من يحق له التصويت بإرسال رسالة نصية على جوالي وبعدها سأجلس ساعة كاملة أفرز خلالها الأصوات.. وإذا احتجنا إعادة سأتصل بالأعضاء الاثنين والستين فوراً وأخبرهم بأن هناك جولة إعادة.. الانتخابات ليست تجربة غريبة أو جديدة علينا فهي حاضرة في الغرف التجارية ومجالس البلديات وقطاعات أخرى كثيرة.. وموجودة أيضاً في الرياضة بصورة أوسع وأشمل وأكبر، والجمعيات العمومية للأندية هي أساس العملية الانتخابية الرياضية.. وبإمكان كل منتمٍ ومحب لناديه المشاركة الحقيقية والفعالة في هذا الجانب لو بادر وسدد رسوم الاشتراك ودخل ضمن قائمة الأعضاء. وكافة الرياضيين يتذكرون بصورة أوضح احتدام السباق الانتخابي الرئاسي في أندية مثل القادسية والوحدة حتى لو كانت تقبع في الدرجة الأولى. الشيء الذي جعل من عملية انتخابات رئاسة اتحاد الكرة ليست الانتخابات نفسها ولا فوز أحمد عيد.. شخصياً كنت أتمنى فوز خالد المعمر.. ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. ولهذا أنا أكره وأحارب أي انتخابات في العالم العربي.. وسأعود لتناول هذه القضية مرة أخرى.. ما جعل انتخابات عيد عرساً تاريخياً هو الإعلام الرياضي فقط.. لا أكثر ولا أقل.. هذا الإعلام الحي المتفاعل مع الحدث.. هذا الإعلام الأقرب للناس وأقرب للحقيقة.. هذا الإعلام الذي لا يعرف القيود والحدود.. هذا الإعلام الذي تخرج منه تسعون بالمئة من رؤساء تحرير الصحف السعودية.. هذا الإعلام هو وحده الذي صنع الفارق وحوّل فوز عيد إلى حدث استثنائي.. الانتخابات بحد ذاتها حدث لكنها حدث عادي.. كانت بدون ذلك التعاطي الإعلامي الصاخب والحاضر والمحفز والمترقب والحاشد والمحتشد ستمر كفيلم سينمائي يعجب النقاد ويفوز بجوائز أوسكار ولا يشاهده أو يتابعه الجمهور أو يهتم به عشاق الفن السابع.. جاءت انتخابات عيد والمعمر لتعطي الإعلام الرياضي شهادة حق لا يراد بها باطل.. شهادة تعيد ترتيب المشهد الإعلامي من أول وجديد.. ربما يأخذون ويعيبون على الإعلام الرياضي خروج بعض أصحابه وأهل داره عن المنطق والمعقول وتجاوزات ومخالفات معيبة.. هذا صحيح.. لولا أنه ليس الشعار العريض.. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. هناك برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية فيها الزبد الذي يذهب جفاء.. الاتجاه المعاكس مثلا ظهر به أحد السياسيين وتبادل الاتهامات مع من لا يبعد عنه متراً واحدا.. بعد أشهر قليلة انتخب هذا السياسي رئيساً لإحدى دول الربيع العربي.. أقول مثلاً.. أيها الإعلام الرياضي العزيز.. كنت راقياً وعصرياً ومهذباً.. كنت بكامل أناقتك.. كنت واعياً.. كنت كما قال أبو القاسم الشابي تعيش رغم الداء والأعداء.. كالنسر فوق القمة الشماء يقول الرسام والأديب الفرنسي الرومانسي هيجو "المجاملة قبلة من وراء الستارة". صدقني أنا لا أجاملك.. شهادتي فيك مجروحة.. قبلة على جبينك.. طبعاً أقصد الإعلام الرياضي.