|


صالح الخليف
طالما أنها أكذوبة.. لماذا تصدقها؟
2012-12-23

هناك وسائل وطرق وأساليب كثيرة يمكنك التعامل بها مع الكذابين والدجالين والنصابين والمنجمين.. وكذب المنجمون ولو صدقوا.. أولها وأفضلها وأكثرها نجاحاً هو تجاهلها تماماً وكأنها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء... لكن عكاظ هذه الصحيفة السعودية الرائدة بتاريخها العريق ومدرستها الخاصة أسلوباً وطرحاً ومساراً تعاملت مع الكذبة الكبيرة بطريقة تسويقية، صدرت أمس الأول وكأنها ذلك الذي يبيع الماء ليس في حارة السقايين.. بل يبيع الماء السراب.. ويا خسارة.. يبدو أنه زمن بيع هذا النوع من المياه في وقت عز فيه الماء الزلال. تصدرت صفحتها الأولى أربع صور وعناوين عريضة باللون الأحمر تسلط الضوء على قضية نهاية العالم التي روجت لها (المايا) أنها توافق يوم الجمعة الماضي، والمايا هذه هي حضارة ضاربة في أعماق التاريخ تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام في المكسيك وعدة دول بجوارها ولها طقوسها وفلسفتها ومعتقداتها، وسعى أنصارها ومعتنقوها منذ فترة على تحديد يوم الحادي والعشرين من ديسمبر 2012 الذي وافق أمس الأول موعداً لنهاية العالم، ووجدت هذه الدعوة الكثير من التجاوب والتعاطي في الغرب. هنا بالتأكيد تعامل معها من سمعها بأنها خرافات وأساطير الأولين.. لسبب بسيط وسهل أن الناس تؤمن أن الساعة أدهى وأمر. يقول هنري وترسون: "أساس النجاح في الصحافة هو العادات الجيدة والعقل الحاذق والمشاعر الصادقة والتهذيب الكامل والثبات"، وأنا لا أتفق معه مية بالمية لأنني أعرف أن الصحافة ليس لها قواعد وثوابت عملية محددة بأخلاقيات أفلاطونية فضفاضة، فالصحافة يفترض أولاً وأخيراً أن لا تكون بضاعة مزجاة للبيع والشراء في سوق الشعارات... لكنني للأمانة مضطر لأن أتفق معه فيما فعلته عكاظ... فإن تأتي بخزعبلات وشائعات تصفها أنت بنفسك بالأكذوبة ثم تقاتل لتنفيها فهذا هو لقاء أضداد يستعصي على الفهم.. وكم من عاتب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم يقول رئيس تحرير عكاظ في مقالته التي عنونها بأكذوبة نهاية العالم: "من أسخف الأقوال المتداولة هذه الأيام أن اليوم الجمعة هو آخر يوم في عمر الكون". ويقول أيضاً: "عندما تتأمل المسوغات والتفسيرات والمبررات التي وردت في هذا الشأن وتقارنها بما تنزل في كتاب الله المحكم فإنك تجد نفسك تقف أمام ترهات لا يقبلها عقل ولا يستوعبها منطق، ولاتملك إزاء ذلك إلا أن تتساءل: أين عقل الإنسان، وأين وعيه وثقافته وحضاراته المتراكمة"؟ ثم يختتم مقاله بالقول: "إذا كان هناك ما يؤسف له حقاً فهو أن هناك من يصدقون هذا النوع من الهلوسات ويتصرفون على نحو فيه الكثير من الهذيان، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". هاشم عبده هاشم لم يتفضل علينا ويوضح لنا ما دام القضية في نظره سخيفة ونحن نتفق معه مية بالمية.. مجرد ترهات وأيضاً نتفق معه... وهلوسات وهذيان.. ونتفق معه بأنها كذلك وأكثر.. طالما اتفقنا بكل شيء إلا الهوى... ما للهواء عندي عذر، ليش أخذتم رأي مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء واقحمتموه في قضية سخيفة ومهلوسة؟ وليش سألتم عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك الدكتور خالد الزعاق عن هذا الهذيان؟ وليش أجريتم تحقيقاً مع شباب جدة حول قضية لا تدخل عقل الإنسان؟... وأحد هؤلاء الشباب أكد لكم أنه سيستمر بإكمال الاستعداد لمراسم زواجه ولن يلتفت لنهاية العالم المزعومة. عزيزي هنري وترسون: حينما تكون الصحافة بهذا التسطيح... أعتذر منك وأخبرك أنني تراجعت وأعود لاتفق معك مليون بالمية أن أساس النجاح في الصحافة هو العادات الجيدة والعقل الحاذق.. هذا هو ما يؤسف له حقاً... أنا آسف.. ويا مثبت العقول.