|


صالح الخليف
حتى لانذكركم بالغراب والثعلب
2012-12-22

الذين يتابعون الكرة السودانية محكوم عليهم بالعيش في دائرة ضيقة... أقصد العيش رياضياً وليس اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً.. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، لكن الواضح أن الأمل معدوم في خروج الإخوة السودانيين من هذا المأزق حتى يرث الله الأرض ومن عليها. السودانيون شعب عاشق ومحب للكرة، فهناك أكثر من عشر صحف رياضية متخصصة تعكس النهم والاندفاع والتعاطي مع كرة القدم.. يعشقونها بجنون.. وإني عشقتك واتخذت قراري فلمن أقدم يا ترى أعذاري؟ وأسوأ أنواع الغرام هو هذا النوع من العشق.. أي عشق من لا يستحق العشق.. تماماً كالذي يفني حياته بجمع الطوابع أو مشاهدة الأفلام الهندية. الكرة السودانية منذ فجر تاريخها تتكبل بأغلال الهلال والمريخ.. ناديان كأنهما عينان في رأس رجل مصاب بالعمى وارتجاج المخ والأعصاب. السودانيون الذين يتابعون الكرة ليس أمامهم من حلول ومخارج.. فإذا كنت سودانياً إما أن تشجع الهلال أو تشجع المريخ.. وعليك أن تنتظر المباراة التي تجمعهما لتعيش الإثارة والتحدي ومتعة الكرة. أما المباريات الأخرى للهلال أو المريخ أمام الفرق المختلفة فهي مثل الرقص بلا موسيقى.. النتيجة مضمونة والمواجهة لمجرد احتساب النقاط والأهداف والتأكيد على أن هناك مسابقة كروية اسمها الدوري السوداني. أذكر أنني قدمت اقتراحاً لأحد الأصدقاء السودانيين قلت فيه لماذا لاتقام مباراتان فقط كل عام ذهاباً وإياباً بين الهلال والمريخ ويحسم الدوري.. وكفى الله المؤمنين شر القتال؟ وأرجو أن لا أسمع أحداً من الإخوة السودانيين الأفاضل يقول إن اقتصار الصراع بين الهلال والمريخ يشبه إلى حد ما تطابق صراع ريال مدريد وبرشلونة في إسبانيا حتى لا نضطر بأن نذكره بقصة الغراب والثعلب.. وهي قصة مشهورة في كتب الأطفال.. قصة بسيطة تحكيها الأمهات لصغارهن قبل النوم. أما إذا أتوا بالأهلي والزمالك المصريين كمثال مشابه.. فالرد هنا هو العودة إلى بطولة أندية العالم الأخيرة التي احتل فيها الأهلاويون المركز الرابع بينما دولتهم تعيش وضعاً سياسياً مرتبكاً والكرة المصرية مشلولة تماماً.. ثم إن الدوري السوداني وبحجة الأجواء الموسمية ومشاكل التيار الكهربائي وظروف النقل والمواصلات والطيران فهو ينطلق بينما كافة بطولات العالم تستعد للنهائيات.. يعني ينطبق عليهم المثل المشهور على لسان أهل الشام "يطعمك حجة والناس راجعة".. وأرجو أيضاً أن لايأخذ أحد القضية إلى منحى آخر ويقول بكل بجاحة أو صلافة إنهم هم أي السودانيون من علمونا الكرة وفنونها وأنظمتها وقوانينها بدليل أن الكثير من الأندية السعودية ونجومها ولاعبيها تتلمذوا على أيدي مدربين سودانيين.. وهذه حقيقة وواقع لايمكن إنكاره لكنه أيضاً حجة عليهم لا لهم.. وإلا فكيف تأتي قبل أربعين عاماً تقريباً إلى أناس لايعرفون الفرق بين ضربة الجزاء والضربة الركنية وتعلمهم وتدرسهم من فيض علمك وتسدي عليهم فائض خبراتك ثم هم يتجاوزن الزمن ويتطورون وبسرعة مذهلة وأنت تبقى في مكانك.. لا تستطيع حتى العودة إلى الخلف؟ المسألة ليست مرتبطة بالفوارق المالية.. كرة القدم لاتعتمد على المال بقدر اعتمادها على الفكر والموهبة.. هناك من يتجاوزهم الزمن.. كما أن هناك من يسابقون هذا الزمن ويسبقونه.. أما أنت أيتها الكرة السودانية فنامي ملء جفونك هانئة مطمئنة قريرة العين.. نامي نومة أهل الكهف واتركي الزمان يمشي من حولك.. فالسودانيون لن يرضوا عنك بديلا.. وهذا هو المهم.