ليش ما نصير زيهم؟.. هذا هو العنوان العريض لقصة الغزل المباح الذي يطلق له السعوديون عنان ألسنتهم حتى بلغ عنان السماء، عندما يبدؤون بتعداد مزايا ومناقب ومحاسن ومآثر المدينة الإماراتية الفاضلة دبي -أصلح الله حالها وأحوالها-.. وأغلب السعوديين الذين سنحت لهم الفرصة بزيارة دبي وسمعتهم يتحدثون عن الأجواء السياحية المتاحة والمريحة في تلك المدينة الصغيرة النائمة على ضفاف الخليج، يشعرون أن بالإمكان وبسهولة نقل كافة أفكارها وتجاربها إلى أي مدينة سعودية. وهذا كلام يقال في الهواء الطلق وبهدوء وارتياح.. كلام يقوله من رجله في الماء وليست في النار.. -أعاذنا الله وإياكم من النار-. دبي مدينة تأكل وتشرب وتتنفس وتعيش من السياحة.. هذا قدرها ومصيرها ودورها وفرضية وجودها.. هذا هو المختصر المفيد.. لمن أراد أن يلقي السمع وهو شهيد. دبي تفوقت سياحياً لأن عشرات الوزارات الحيوية مجندة لتحقيق هذه الغاية وبأي وسيلة.. وأعتقد أن أهالي أبوظبي -مثلاً- أولى بالغيرة والتمني والحلم.. السعوديون يعيشون في دولة توازي بمساحتها وعمقها وامتدادها وجغرافيتها قارة بأسرها.. أبوظبي هي العاصمة الإماراتية ذات الثقل المالي والنفطي والسياسي والسيادي، ومع ذلك لا تمثل السياحة فيها نقطة محورية وجوهرية. يوم الثلاثاء الماضي قال رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان في كلمة ألقاها بمناسبة اللقاء السنوي للهيئة: إن المملكة لا تزال تتنازل عن سوقها السياحي الضخم للدول الأخرى بسبب ضعف الخدمات السياحية وقصور برامج التمويل للمشروعات السياحية.. مؤكداً ضخامة السوق السياحية السعودية وقدرته على البناء والمنافسة بصورة عالية. أظن الأمير -وهو الرجل الذي يقف على الهرم السياحي السعودي- اعترف بالمشكلة وبكل وضوح، وهو يتحدث عن ضعف الخدمات السياحية.. وهذه الخدمات وضعفها يحتاج كلاماً طويلاً جداً.. ثم يحتاج لعمل جاد ومجهد. الصيف الماضي كنت عائداً من إسطنبول.. جلست بجوار طفل سعودي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره قضى في تلك المدينة التركية مع عائلته قرابة الخمسة عشر يوماً.. سألته: هل انبسطت وقضيت أوقاتاً ممتعة في إسطنبول؟.. أجاب وبسرعة وبدون تردد: إسطنبول حلوة بس دبي أحلى ميت مرة.. إسطنبول مدينة ساحرة ومبهرة، وقال عنها نابليون: "لو كان العالم كله دولة واحدة فإن إسطنبول هي عاصمته".. لكن كلّ ذلك الجمال الذي يلتقي فيه سحر الشرق وثراء الغرب لم يقنع طفلاً سعودياً.. أعتقد أن أهم أسرار دبي الاهتمام بالطفل.. العائلة جميعها تعود من دبي بذكريات لا تنسى.. الفكر السياحي عادة يتعامل مع متعة الأطفال مثل الكماليات لا أكثر ولا أقل.. ويركز فقط على الكبار.. وهذا خطأ إستراتيجي كبير.. دبي تهتم بالطفل أكثر من اللازم، فيرتبط الطفل معها بقصة حب من الطرفين.. الحب من طرف واحد ربما لا يوجد في دبي إلا في الليل.. وفي الليل الصغار نائمون.. ويحلمون بنهار سعيد. هناك أيضاً وسائل النقل.. لا أتكلم عن المترو مثلاً.. أتكلم فقط عن التكاسي.. تكاسي دبي نظيفة ومتاحة في أي وقت ومنظمة وصامتة.. أقصد بالصامتة أن السائق لا يتكلم معك عن مشاكله الخاصة ولا يسألك عن الديرة التي وصلت منها هل نزل عليها المطر.. تنزل إلى مطار دبي ولا تجد من يتجادل مع زملاء المهنة من أجل الفوز بإيصالك لدرجة يشعرونك أنك فريسة تستحق أن يتعارك الإنسان مع أقرب الناس إليه للانقضاض عليك. الفنادق حكاية طويلة ستأخذ من وقتنا الكثير.. نتركها لمناسبة ثانية.. أعتقد أيضاً أن السياحة تحتاج إلى علاقات عامة غير تقليدية لا تعتمد على التسويق الإعلاني أو الدعاية المعتادة وإنما على الطريقة الأمريكية "اذهب حيث لا يتواجد الآخرون". إذا أرادت السعودية النجاح سياحياً فيجب ألا تتنازل ولو بقدر أنملة عن سوقها السياحي.. أما كيف هي الطريقة؟.. فقد أجاب الأمير.