|


صالح الخليف
يا صاحب الحظ السيئ
2012-12-20

أظن من يدخل أبواب مهنة التحكيم هواية أو احترافاً فإن عقله يخرج من أقرب نافذة.. على طريقة إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك.. وإذا بغيت تدعي على عدوك ادعي عليه يصير حكم كرة قدم.. والحقيقة أنني أتمنى الاستماع عاجلاً غير آجل إلى آراء علماء النفس في هذه الحالة.. فهل من يختار طواعية وملء إرادته مهنة كهذه هو في الأساس بشر سوي..؟ لا أقول إن مجمل حكام كرة القدم مجانين أو عقولهم مضروبة أو بهم مس من الجن.. والعياذ به.. أبداً.. أبداً.. لكنني لا أظن أحداً لديه عقل رشيد وفكر مستنير والحد الأدنى من إدراك الأمور واستبصار العبر من الزمن والتاريخ.. ويروح وبكل ثقة ليلعب دور الرجل المغضوب عليه في رياضة تعد الأكثر متابعة وشعبية وجماهيرية وعشاقاً.. جميع من فيها وحولها يملك دوراً حتى لو كان محدوداً في تقديم المتعة.. إلا أنت أيها الحكم الذي كذب عليك الكاذبون وقالوا بأن لا فروقات بينك وبين القضاة إلا أنك تتعب وتجري طوال تسعين دقيقة تحت لهيب الشمس الحارقة أو في ليلة باردة والقاضي يصدر الأحكام جالساً على كرسي وثير تحت مكيفات سبليت.. وأستثني فقط حكام الدوري الإيطالي الذين يقال إنهم يحصلون على مبالغ باهظة مقابل احترافهم هذه المهنة البغيضة، أما أي حكم كرة قدم وفي أي مكان آخر فإنه ينطبق عليه بالتمام والكمال ما قاله الأديب الأورجواني الكبير إدوارد جليانو بين صفحات كتابه كرة القدم في الشمس والظل: "الشعور الوحيد الذي يتقاسمه الناس كلهم في عالم الكرة: الكل يكره الحكم". النجومية تذهب للاعبين والمدربين والإعلاميين والإداريين وحتى المشجعين أحياناً.. فيما تحتجب أضواؤها وأجواؤها عن الحكام.. والناس في المنطقة الشمالية السعودية يطلقون على الحكم لقب (المقرود)، ومعناه لمن لا يعرف أي صاحب الحظ السيئ.. والرسام البريطاني تيرنر يقول: "الحظ يختار الحمقى ويكون إلى جانبهم".. وإذا توصلنا إلى نتيجة أن الحكم أحمق.. فهذه هي النهاية استناداً فقط إلى رأي المتنبي بقوله: "لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها" فعلاً ما هي الفائدة بأن تكون حكماً؟.. إذا كانت غايتك الفلوس فكثير من الحكام وفي أغلب المسابقات الكروية يقولون إنها ما تجيب همها طبعاً باستثناء الطليان.. وإذا كانت غايتك الشهرة فهذه شهرة سلبية.. حتى القتلة والمجرمون والطغاة يشتهرون واللاعب الإنجليزي الدولي السابق الأسمر أيان رايت يقول: "كل الحكام نموذج مصغر من هتلر".. الجمهور يكرهونك ويشتمونك، والإداريون يحملونك مسؤولية الهزيمة، والمدربون يصرخون في وجهك طوال المباراة.. والصحافة ما لها أمان معاك.. تمدحك وتغني لك اليوم وتعلق لك المشانق غداً أو بعد غد.. أيها الحكم الضعيف المستضعف.. من دفعك لتكون واحداً من المقرودين..؟.