|


صالح الخليف
سيجارة داخل المستشفى
2012-12-19

صرف الملايين والمليارات على محاربة التدخين كالقفز في الهواء.. كلام فاضي.. تعب بلا منفعة.. وتبذير وإسراف.. وابن الوردي يقول: بين تبذير وبخل مرتبة وكلا الأمرين إن زاد قتل وإذا كان التدخين يقتل ويدمر.. فالتبذير والهدر والإسراف هو الآخر، إذا كنا سنقتنع بكلام ابن الوردي فهو أيضا قاتل ومميت.. ولا أعرف لماذا تصر الكثير من الدول على تجنيد طاقاتها وتشمر أذرعتها وتحشد قواها لمحاربة هواء يخرج من أفواه من ذهبوا بكامل قواهم العقلية والجسدية إلى أقرب سوبر ماركت ودفعوا من حر مالهم ما لذّ وطاب لمزاجهم واختاروا ما يوافق هواهم. هناك طريقة سهلة وبسيطة أقدمها الآن مجاناً، ولا أريد من أحد جزاءً ولا شكوراً.. إنني أبتغي وجه الله وعنده خير الجزاء.. أولاً وحتى أبرئ ذمتي أقول لمن يكتب الإعلانات والمنشورات لتبيين مخاطر هذا الداء: إن عملك طيب ومبارك، وثقتي فيك بلا حدود؛ بارك الله فيك.. لكن صدّقني يا صاحبي أن السادة المدخنين يطالعون هذه الإعلانات وهذه المنشورات باستهزاء واستهتار.. إنهم يطالعونها كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وقال: العياذ بالله أنّى يحيي هذه الله بعد موتها. من يمسك السيجارة ويشعلها ويدخن لديه دافع خفي، يجره إلى لهيبها وأجوائها بلا مقدمات أو مؤخرات.. والروائي العربي الكبير عبدالرحمن منيف يقول: "لا تسأل المدخن لماذا تدخن، لأنه لا يملك أي إجابة. ورئيس وزراء بريطانيا التاريخي تشرشل أشهر سياسي تعاطى التدخين، وفي يناير الماضي بيع عقب سيجارة له بأكثر من سبع آلاف دولار في مزاد علني وسط لندن. هذه مصر مثلاً التي يتعرض اقتصادها إلى ما يشبه الزلازل والبراكين، يؤكد تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية بأن انتشار التدخين وزيادة المدخنين فيها يتجاوز الـ51% من تعداد السكان.. ويقول التقرير أيضاً أن معدل انتشار التدخين في مصر وصل إلى ضعف معدل النمو السكاني وأن 70% من المدخنين يمارسون هذه العادة داخل المباني الحكومية والمواصلات العامة.. و49% من المدخنين لا يمتنعون عن الرضوخ لأمزجتهم، ويتجاهلون التعليمات الحازمة، ويلعقون سجائرهم المفضلة داخل المستشفيات والمنشآت الصحية التي تمنع وتحظر التدخين بشكل قاطع. في أغلب دول أوروبا وكذلك دول الخليج بما فيها السعودية فإن التدخين يمنع داخل الأماكن والصالات المغلقة.. نعم هذه خطوة قصيرة في طريق طويل.. لكن هناك طريقة سهلة وبسيطة وتنهي الجدل إذا كانت هذه الدول بالفعل جادة وصريحة في محاربتها لهذا الداء الذي يقال بأنه يفتك بما يقارب النصف مليون إنسان سنوياً. أما الطريقة التي قلت إنني سأقدم وصفتها بدون مقابل فتتمثل بأن تمنع الدول استيراد التدخين بالكامل.. ولا أظن أن هناك أيّ حواجز تمنع هذا الإجراء.. لعل مصر بقادتها الجدد وحكومتها المنبثقة من جماعة الإخوان المسلمين تكون السباقة في هذا المجال خاصة ومصر -كما يقال- تخسر سنوياً قرابة الثلاثة مليارات جنيه على علاج آثار التدخين.. إنها فرصة تاريخية لتكون مصر بتاريخها العريق صاحبة المبادرة الأولى في هذا الإطار، فهي أمُّ الدنيا وأمُّ المبادرات وأمُّ الأولويات.. وبالطبع وقبل كلّ شيء أمُّ لقرابة أربعين مليون مواطن راحوا ضحيّةَ سيجارةٍ رخيصة، لو سألت كلّ من يحملها لماذا أشعلتها سيقول: والله مش عارف.. كما يقول بعضهم عندما يسألونه عن الدستور.. إن مصر تشتعل سياسياً.. ولعلها بعد أن تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع.. تطفئ أول سيجارة في عالمنا العربي وإلى الأبد.. فهل ستفعلينها يا مصر؟.. يا ريت.