|


صالح الخليف
سقطت..وانتهى زمنها
2012-12-14

فعلياً وعملياً وحتى أخلاقياً سقطت الربطة التي يلفها على كتفه وصارت لا تساوي ثمن علبة مناديل صغيرة.. سقطت وانتهى زمنها إلى الأبد فلم يعد لها قيمة ولم يعد أحد يكنّ لها أيّ احترام أو تقدير.. زمان كان صاحبها يحتاج لمواصفات خاصة ومزايا منفردة وشخصية واثقة وجاد وشرسة.. كان يجب أن يكون أشبه بجنرالات الحرب العالمية الثانية.. ليس مقبولاً على الإطلاق أن يكون وسيماً أو أنيقاً أو مهتماً بهندامه وشكله أو قصة شعره.. كان الناس يعتبرونه أهم واحد في الملعب حتى لو كان لاعباً من طقة "أبو ريالين". زمان من يكون كابتن الفريق فإن أمه العجوز دعت له في ليلة القدر واستجاب الله دعاءها. هكذا كان الكابتن في نظر الناس والجماهير والمتابعين.. هذا طبعاً كان زمان.. ويا زمان الوصل.. اليوم تغيرت أشياء كثيرة.. وسبحان مغير الأحوال. هذا ميسي اسم أسطوري يحطم الأرقام القياسية تحطيماً.. على طريقة تحطيم الأسعار تحطيماً.. شاب في منتصف العشرينيات انتظره العالم قرابة الأربعين عاماً حتى يأتي ويزيح الملك الألماني المريض مولر عن عرش الأهداف الموسمية.. ميسي هذا يدخل الملعب قائداً وكابتناً لمنتخب بلاده واضعاً ربطة سوداء على كتفه متقدماً الصفوف، ويتجه ليصافح حكم الساحة ومساعديه ثم يتبادل مع نظيره قائد المنتخب المنافس الإعلام التذكارية وكلمات المجاملة ويحضر قرعة تحديد الملعب.. إجراء روتيني اعتيادي تقليدي في الدستور الكروي حول العالم.. أقل من دقيقتين وتنتهي هذه الإجراءات.. إجراءات سريعة وسلسلة وكأنك أمام مراقبة جوازات مطار دبي.. لا أحد الآن يهتم أو يسأل لماذا ميسي هو الكابتن ولا أحد غيره ممن يكبرونه سناً وخبرة.. الأهم ماذا سيفعل عندما يطلق الحكم الصافرة.. ميسي لن يصرخ ولن يقول لزملائه بلغته الإسبانية: "شدوا حيلكم يا عيال".. ساعياً لرفع معنوياتهم.. إذا طرد الحكم أحد المدافعين لن يدخل معه في نقاش بيزنطي اعتراضاً واحتجاجاً على القرار.. زمان كان الكابتن يطارد الحكم في كل صغيرة وكبيرة ويجادله ويحاسبه وكأنه قائد معارض في دولة مثل كرواتيا.. ميسى ينحصر دوره في ترجيح الكفة.. يقود لتغيير النتائج والبطولات.. وكما يقول الأمريكي ماكس لوكادو: "الرجل الذي يريد أن يقود الأوكسترا عليه أن يعطي ظهره للجمهور". ميسي يعطي ظهره للحكم.. ويعطي الجمهور المتعة والأداء والأهداف.. ويردد على أسماعهم بيتاً من الشعر النبطي: عطني القيادة وانت غمض عيونك وتمتع برحلة غرامي على الهون لا أؤيد كثيراً ذلك القول الشائع السخيف.. "القيادة فن وذوق وأخلاق" عندما يلصقونه بقيادة السيارات.. لا أدري ما علاقة الفن والذوق والأخلاق بالسيارات والطرق.. أعتقد أن قيادة السيارة مجرد التزام بأنظمة وتعليمات وقوانين المرور لا أكثر ولا أقل.. أما الفن والذوق ستجده كامل الدسم عند ميسي وأشكاله.. أما الأخلاق فإن كثيراً من قادة الفرق الكروية ليسوا أحسن اللاعبين أخلاقاً.. أحياناً يصبحون أسوأهم.. هذا طبعاً ليس زمان.. وإنما زمان وحتى الآن.. هل تريدون أن أعطيكم أمثلة.. آسف لا أستطيع.. اعذروني.. اعذروني.