|


صالح الخليف
لا تناحي وأنت اسمك مناحي
2012-12-09

إذا ابتسمت لي الأيام ووجدت نفسي رئيساً لتحرير إحدى الصحف وهذا أكبر طموحات وأحلام كل العاملين في الصحافة، فإن أول قرار سأتخذه وعلى الفور هو منع ذلك الخبر الكريه السخيف ثقيل الدم والطينة.. هذا وعد وعهد قطعته على نفسي وأقوله الآن على رؤوس الأشهاد، حتى لاتسول لي نفسي أن أضعف أو أتراجع أو أقول كلام الليل يمحوه مقعد رئيس التحرير.. فأنا لا أضمن نفسي.. وإن النفس لأمارة بالسوء. سيصبح هذا الخبر من الممنوعات ولن أقبل بنشره أو تمريره تصريحاً ولاتلميحاً مهماً كلف الأمر.. لن أقبل وساطة أو شفاعة أبداً أبداً.. هذا قراري فالرأي رأيي.. والخيار خياري. أقلب صفحات الجرائد السعودية وأجد ذلك الخبر سيء السمعة ماثلاً أمامي يومياً بأناقته المعتادة ولباقته المعروفة.. نفس الكلمات تتكرر ونفس العبارات تتمخطر.. لاشيء يتغير.. اللهم إلا الأسماء.. وما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم. ولا أدري ما هو السر وراء إصرار زملائي رؤساء التحرير على بقاء الخبر حياً يرزق صامداً في وجه التغيير طوال هذه السنين. أعرف أنه نوع من المجاملة المحمودة التي لاتغني ولاتسمن من جوع.. مجاملة والسلام.. أعرف أنها لا تأخذ مساحة واسعة ويمكن قبولها في أضيق الأحوال.. وأعرف أنها تأتي أحياناً عن طريق ضغوط الأحباب والأصدقاء والأقارب.. ويا بخت من له بالجرايد ولد عم.. لايمكنك مطالعة جريدة سعودية دون أن تقرأ خبراً مفاده أن فلان ابن فلان الفلاني والموظف في البلدية أو المطار أو الشرطة رزق بمولود اتفق وحرمه على تسميته طير شلوى.. وأحياناً تضيف بعض الصحف شيئاً من البهارات على ذلك الخبر السعيد بأن فلان الفلاني وعد زملاءه بوليمة دسمة.. لكن كافة الصحف تتفق أن فلان الفلاني اتفق وحرمه أي زوجته باختيار الاسم المحدد. نأتي الآن لأسئلة سريعة: بماذا يهم القراء هذا الخبر؟ أقصد مثلاً شاب في حاله يعمل موظفاً في بلدية النسيم شرق الرياض، هل يهم الساكنين في أحياء النسيم أو النظيم أو الملز أو العزيزية تشريف مولوده الصغير لهذه الدنيا.. فضلاً عن أهالي تبوك وعرعر والقريات وبلجرشي؟! هل هذا الشخص لايمكن لأقاربه وأصدقائه معرفة قدوم مولوده إلا عبر الصحف؟ .. ثم من قال للصحف إن صاحبنا والد الطفل الصغير سيقيم مأدبة لزملائه في العمل؟ ومن قال لها إن الوجبة دسمة؟ وما هو تقييمها لمستوى (الدسامة)؟ وأيضاً من قال لهذه الصحف إن الزوج والزوجة اتفقا على اسم الوافد الأخير؟ أعرف وأسمع كثيراً من القصص الواقعية والحقيقية التي وصلت فيها الأمور إلى الطلاق والمحاكم بسبب خلاف كبير نشب داخل العائلة حول اسم الطفل الجديد، أحياناً كثيرة يكون الرجل مصراً على أن يطلق اسم أبيه أو أمه على مولوده الأول دون مبرر سوى الإعجاب المنقطع النظير ببطولات الوالد أو تضحيات الوالدة.. وهذه طبعاً ليست سنة، فرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام لم يطلق اسمي والده عبدالله ووالدته آمنة بنت وهب على أحد من أولاده وبناته، وكم يكون مضحكاً ومبكياً في نفس الوقت أن تنشر الجريدة خبراً تؤكد فيه أن صاحبنا اتفق وحرمه على الاسم.. بينما زوجته المجروحة المكلومة مغلوب على أمرها.. كانت تحلم وتمني النفس بأن تسمي رضيعها ياسر أو وسيم أو مهند، لكنها تفاجأت بأن الزمن اختار لها أن تكون أم مناحي، ويا مناحي لاتناحي.. طالما اسمك مناحي. الأكيد والمهم والأهم إنه خبر تعيس بامتياز، وحتى أصبح رئيساً للتحرير أيها القراء الكرام.. أوصيكم ونفسي بالصبر.. فاصبروا وصابروا.. حتى ذلك الحين.