بحسب تعريف الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" فإن التعصب هو شعور داخلي يجعل الإنسان يرى نفسه على حق ويرى الآخر على باطل، ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف ينطوي عليها احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته. وبالطبع هذا التعريف يأخذ الصبغة العلمية والسياسية والاجتماعية أكثر منها الرياضية.. بل إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي الجهة الحقوقية الدولية العالمية العملاقة والتي تنبهت لمخاطر التعصب منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي لم يكن في حسبانها أن الرياضة وممارستها ومتابعتها والتعاطي معها ممكن أن يتحول إلى سلوك إنساني عدائي بشع ومتهور.. لكن على الطرف الآخر لا يمكن أبداً رؤية الصراعات الرياضية وأجواءها ومشاحناتها من زاوية أخلاقية وأفلاطونية أكثر من اللازم. والحقيقة دائماً في المنتصف.. فحتى الحروب فيها قواعد وفيها إنسانية وفيها أخلاق وفيها مبادئ بعيداً عن ما ترتكبه قوات طاغية دمشق، الذين حولوا سوريا كلّها إلى كفن كبير.. وكل من عليها فان. في هولندا لفظ حكم كرة القدم (نيوفينهوزين) قبل أيام أنفاسه الأخيرة متأثراً بجراحه عقب تعرضه لهجوم وحشي من ثلاثة لاعبين ناشئين يحملون الجنسية الهولندية تعود أصولهم إلى المغرب ووجهت لهم المحكمة تهمة القتل غير العمد، ويقبعون الآن خلف القضبان وينتظرون براعة المحاماة لإنقاذهم من عقوبة قاسية. أما إذا انتقلنا إلى طرف آخر على وجه الأرض، حيث مصر الغارقة هذه الأيام بفوضى لا يعلم منتهاها وعواقبها إلا الله.. فالدوري الكروي مصاب بشلل كلّي ويرقد حالياً على السرير الأبيض غارقاً في دمائه في غرفة العناية المركزة، وممنوع عنه الزيارة.. وهذا نتاج أحداث مروعة كان ملعب كرة القدم وسط بورسعيد مسرحاً لها بعد مباراة جمعت الأهلي بمستضيفه المصري، وراح ضحيتها 74 قتيلاً إضافة إلى مئات الجرحى والمصابين.. فيما أصيب الاتحاد الدولي لكرة القدم بالصدمة، وأعرب عن استنكاره وأسفه وتضامنه من أهالي الضحايا.. وبعدها اضطر اتحاد الكرة المصري إلى تعليق أنشطته قبل أن يحدد الأسبوع الماضي يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر الجاري موعداً لانطلاق المسابقة، لكن بدون جماهير. هنا يأخذ التعصب مجراه أيضاً، فلسنا منفصلين عن الواقع ولا عن العالم.. لكن الأمور لا تتجاوز لكمةً خطافية أو صفعةً على الطاير أو قارورة مياه ترمى من المدرجات.. ونحن نتكلم فقط عن المتعصبين في المدرجات والساحات؛ لا نقصد الصفحات.. وبالتأكيد إننا لا نتمنى أبداً أن تتوسع الدائرة أكثر من ذلك.. وليس من حقنا توجيه الدعوة إلى الرياضيين بالكف عن التعصب ومراعاة الأخلاق والآداب العامة وتقبل الهزيمة بروحٍ رياضية.. ليس لأن التعصب أحد أبرز أدوات المتعة والإثارة والتحدي، بل لأن الدعوة ستكون مرفوضة سلفاً.. وستظهر خجولة محبطة تترنح وكأنها تلك التي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثاً.. ستكون مجرد كلام يقال للاستهلاك الإعلامي.. وما أكثر كلامنا في هذا الاتجاه. أيّها السعوديون المتعصبون.. مزيداً من التعصب الرياضي لو سمحتهم.. إذا كان طبعاً على طريقة لكمةٍ وصفعةٍ وقارورةِ مياهٍ فارغة.