لم يكن بخلده عندما كان يركل كرة القدم في ملعب الحي الترابي قبل سنوات أن اسمه سيكون بين عشية وضحاها حديث الناس والجماهير ووسائل الإعلام، وأن استبدال منزلهم الشعبي الذي تسكنه 20 نفساً هم والداه وأشقاؤه لم يستغرق سوى أيام منذ دخوله النادي الكبير.
فجأة بات يملك سيارة فارهة ومنزلاً فخماً ورصيداً بنكياً فيه أكثر من 6 أصفار، بقي في الملعب سنين يركل كرة القدم، ولكنه ركل أيضاً كل خطوة من شأنها أن تسهم في تأمين مستقبله ومستقبل عائلته.
وحينما توقف عن كرة القدم قسرياً، توقفت الكثير من الامتيازات التي كان ينعم بها، رصيده بات ضعيفاً، منزله الفاخر كان النادي يدفع قيمة إيجاره السنوي فيما كان هو يتجاهل المسارعة في شراء منزل، حتى السيارة التي يقودها كانت مسجلة باسم النادي، واسترجعها فيما بعد.
المحصلة أنه حين انتهى كروياً تنبه أنه لم يستثمر لاعقارياً ولاتجارياً، وتحوّل إلى عالة على أهله وأصدقائه وبعدها بأشهر اختار التنقل من وسيلة إعلامية إلى أخرى لكي يقول: "أوضاعي المالية صعبة، والنادي تخلى عني".
الحالة أعلاه هي ملخص لواقع جملة من اللاعبين الذين يفتقدون التدبير المالي الجيد، ويعانون من صدمة كبيرة نتيجة تحوّل أوضاعهم، وانتقالهم من حال إلى حال مختلف تماماً، هذه الصدمة التي ربما تستمر معهم طوال تواجدهم في الملاعب، وتسهم الشهرة والأضواء في إصابتهم بحالة عمى عن ضرورة العمل للمستقبل بدلاً من الركون إلى الحاضر فقط.
خلال أكثر من مناسبة مضت يظهر في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي لاعب يتوسل ويتسول المساعدة بعد أن تحوّل إلى إنسان على هامش الحياة، بعد أن أصبح ضحية سوء إدارة موارده المالية الضخمة مقارنة في وظائف أخرى، والمصيبة أن الجماهير توّجه سهام نقدها إلى إدارات الأندية، وتتهمها بأنها تمارس العقوق والنكران تجاه لاعبيها السابقين، وكأن الأندية مطالبة بالتحوّل إلى مراكز للضمان الاجتماعي، وترصد ميزانيات ضخمة للاعبين تركوا النادي منذ عقود طويلة، بعد أن فرّطوا في مكاسبهم وعلى النادي أن يتحمل مسؤولية عبثهم وتقصيرهم بحق أنفسهم حتى وإن كان لاذنب له في ذلك.
حالياً بات اللاعبون عبارة عن "رجال أعمال" حقيقيين لديهم مداخيل مالية ضخمة سنوياً، ومن العبث بمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم عدم العمل على استثمار هذه المداخيل من الآن بما يوفر لهم دخلاً ثابتاً بعيداً كل البعد عن الرياضة، ولايتأثر بتوقفهم عنها قبل أن يأتي اليوم الذي يتفرغون فيه للتنقل بين "استديوهات" البرامج، ويمارسون التسول والتوسل فضائياً، فبعدما كانوا يركلون كرة القدم على الهواء مباشرة باتوا يركلون كرامتهم، وعليهم أن يعتبروا من غيرهم، ألم يقل: "السعيد من اتعظ بغيره"؟