نجح الممثل المصري الكبير سعيد صالح في المسرحية الشهيرة "مدرسة المشاغبين" في استخدام مفردة "الفلزات" بطريقة كوميدية أسهمت في تثبيتها في الذاكرة بشكل جيد، و"الفلزات" لمن لايعرفها أو يتذكرها جيداً هي المعادن القادرة على توصيل الكهرباء. المشهد الرياضي السعودي ينعم بوجود "فلزات" أيضاً ولكنها ليست معادن إنما أناس دورهم الرئيس توصيل الأحاديث إلى المسؤولين في الأندية لضمان القرب منهم أو إشعارهم بحرصهم وغيرتهم ومحبتهم لهم في سبيل تحقيق حظوة. مناسبات مختلفة شهدت تجسيداً حقيقياً لهذا الوضع الذي يبدأ باتصال من "الفلز" إلى الرئيس أو المسؤول الذي لا ينتظر طويلاً، ويتلقف كل ما وصل إليه، ومن ثم يحوّله في مداخلة تلفزيونية أو إذاعية أو تصريح صحفي، منطلقاً من هذا الاتصال الذي يدخل في باب "يقولون" أو "كما وصلني"، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تنامي "الفلزات" أكثر وأكثر. أعي جيداً أن أي وسط رياضي لا يحفل بأية إثارة هو وسط يعاني موتاً سريرياً، ولذلك نجحت المنافسات الكروية السعودية في أن تكون صانعة الإثارة في المنطقة، والإثارة التي أعنيها لا علاقة لها بالمستويات داخل "المستطيل الأخضر" للأسف، أو بالأصح هي انعكاسات لما يحدث في الملعب، وحالة الركض خلف الأمور الشخصية، والتعاطي الإعلامي المتحيز ضدها مجرد حلقة من حلقات مسلسل الإثارة الذي لن ولم يتوقف عرضه. الوسط الرياضي المحلي لا يخلو من "فلزات" بدأت في الانتشار، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى "نجوم شباك" نظير الدعم الذي يكفل لهم التواجد في وسائل الإعلام كافة، حتى باتت ساعات تواجدهم في البرامج التلفزيونية والإذاعية والمواقع الرياضية يفوق الوقت التي يقضيه اللاعب في التمارين بشكل يومي، ومؤهلاتهم بكل بساطة -خلاف ميولهم- قربهم من رئيس النادي أو مسيروي النادي بشكل كبير، والقيام بدور "المشجع الإعلامي" الذي يجيد التنقل في المجالس الخاصة والقنوات الفضائية، وينقل ما يدور فيها إلى من يهمه الأمر، ضاربين بعرض الحائط قيم المهنية والعمل الإعلامي الرزين، مقدمين مصالحهم الخاصة على الاعتبارات الأخرى. الوسط الرياضي بات يحتاج إلى عملية فرز إعلامي عاجل بحيث لا يبقى إلا من يستحق البقاء، ولا يظهر في وسائل الإعلام إلا من يضيف إلى المشاهدين والمتابعين معلومة وسلوكاً وحقيقة وقيم اجتماعية، بدلاً من تركها لعملية تدوير بين البرامج حتى وصلت إلى مرحلة الظهور في فترة الظهيرة في برنامج تلفزيوني في قناة معينة، والعصر في مداخلة إذاعية، وفي المساء في برنامج مختلف وفي شاشة أخرى، وبين ليلة وضحاها أصبح بعض الإعلاميين أشهر من نجوم كرة القدم ورؤساء الأندية والمسؤولين. إجمالاً الوسط الرياضي بحاجة ماسة للمبادرة بإسقاط ورق التوت عن هؤلاء حتى يتعرى من لم يجد سواها، وفي النهاية سيكون الضجيج في الملعب فقط بدلاً من تحوله إلى "الإستديوهات" بإشراف وتنفيذ وأداء مجموعة من "الفلزات" التي تتمدد بالتسهيلات المختلفة وتنكمش بغيابها.