يقول الكاتب الأورجوياني الشهير إدواردو جاليانو في كتابه الجميل (كرة القدم بين الشمس والظل) في وصف حكم كرة القدم: "إنه الطاغية البغيض الذي يمارس ديكتاتوريته دون معارضة ممكنة، والجلاد المتكبر الذي يمارس سلطته المطلقة بإيماءات أوبرا، الصفارة في فمه ينفخ رياح القدر المحتوم، ويمنح الأهداف أو يلغيها، البطاقة في يده، يرفع ألوان الإدانة: الأصفر لمعاقبة المذنب وإجباره على الندم، والأحمر يلقي به إلى المنفى، خلال أكثر من قرن كان الحكم يرتدي لون الحداد. على من؟ على نفسه. أما الآن فإنه يخفي حداده بالألوان". هذه الفلسفة يصدقها الواقع لذلك ظل التحكيم القضية الشائكة التي لا هدنة معها من قبل اللاعبين والإداريين والجماهير، ولا توجد بوادر هدنة لأن صوت الصافرة لن يتوقف. في بدايات الكرة لدينا كانت المدرجات تتعامل مع أخطاء الحكام بالأهزوجة الشهيرة التي يرددها مدرج الفريق المتضرر بأكمله: "وين العدالة يا حكم" في محاولة للتأثير على قرارات الحكم، ونوع من العقوبة الجماهيرية الفورية، وظلت هذه المحاولات متواصلة قبل أن تتغير العبارات. حادثة إيقاف حارس التعاون فهد الثنيان الأخيرة، وما رافقها من أحداث مريبة، والقسم الذي أقدم عليه الحارس تلفزيونياً، يعيدنا من جديد إلى ملف قسم الحكام مجدداً، خصوصاً أن العقوبة كانت مغلظة وقاسية جداً من دون وجود أدلة تدينه سواء تقرير الحكم الذي يبدو أنه لوحده من شاهد المخالفة وسط آلاف، وبعيداً عن أعين الكاميرات والجماهير. قبل عقد ونصف كان الرمز الرياضي الكبير الراحل الأمير عبدالرحمن بن سعود ـ رحمه الله ـ يطالب بإصدار قرار يقضي بأداء حكام كرة القدم القسم قبل الدخول في سلك القضاة الكرويين، هذه المطالبات المشروعة والمعتبرة لم تجد حينها آذاناً صاغية، وقبل مواسم قليلة تكررت المطالبات ذاتها من قبل المشرف العام على كرة القدم بنادي النصر طلال الرشيد سابقاً، وكانت النتيجة "لم يستمع أحد". أعتقد أن حجم الأخطاء في كرة القدم السعودية، وبصافرة محلية خالصة، لم يعد يستدع الاستعانة بحكام أجانب فقط ـ مثلما هو معمول به حالياً ـ بل تعداه إلى المطالبة بتأهيل جيل تحكيمي قوي، واثق من قدراته، لا يتأثر بما يكتب عنه، ومتميز لياقياً وقانونياً، وأضيف عليها أداء القسم مع الإشارة إلى أن ذلك الإجراء لا يدعو بأي حال من الأحوال إلى التقليل من نزاهتهم أو التشكيك في ذممهم، ما دمنا نردد دائماً أن لدينا خصوصيتنا. أرى أن قرار من هذا النوع ـ إن تم ـ سيفرض على كافة مسؤولي ولاعبي الأندية التزام الصمت تجاه التحكيم، وأداء قضاة الملاعب، وسيعزز سلطة لجان الاتحاد السعودي لكرة القدم في إيقاع عقوبات مغلظة تجاه أية تجاوزات تجاه الحكام. أخيراً ليس هناك من ضرر في حال تم إقرار أداء الحكام القسم قبل الحصول على الشارة، لأن الحكم الذي يراعي ربه، الواثق من قدراته، الذي لا تربطه علاقات قوية برؤساء الأندية ومسؤوليها تصل حد الاستضافة في المجالس الخاصة، لن يجد أدنى حرج أن يردد وبكل ثقة وإيمان، وهو يحمل نسخة من القرآن الكريم: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لبلادي ومليكي، وأن أراعي مرضاة ربي في عملي، وأن أحكم بالعدل ولا شيء سواه، والله على ما أقول شهيد"، وقبل كل ذلك التوقف أمام قوله تعالى: "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم".