أعتقد أننا من أكثر المجتمعات ممارسة لجلد الذات، حتى باتت هذه الممارسة ثقافة نصفها إيجابي إذا كان سياقه التطوير والإصلاح، ونصفه الآخر سلبي إذا كان لا يخلو من تحطيم وإحباط، والوقوف حيث نقف.
في ثقافة الجماهير المتعصبة مبرر نوعاً ما البحث عما يسيء للنادي المنافس والتركيز عليه، ونشره إعلامياً، والتركيز عليه في مواقع التواصل الاجتماعي في سبيل كسب جولات بعيدة كل البعد عن الميدان، وتحوّلت هذه التصرفات إلى ملمح عريض من ملامح مجتمعنا الرياضي خصوصاً إذا ما تبناها الإعلام المنتسب لهذا النادي، وحوّلها إلى قصص خبرية تتصدّر الصفحات الرياضية.
كل ما سبق يمكن قبوله إذا بقي في إطاره المحلي الذي ربما لا تتجاوز آثاره أروقة النادي المتضرر، لكن أن تصل هذه الممارسات الصبيانية إلى المشهد الرياضي الدولي فأعتقد أنها ممارسة بغيضة مهم أن يقف المجتمع الرياضي المحلي أمامها بقوة لأن النادي سعودي بعيداً عن ألوانه.
البارحة تناقل المغردون خبر قيام مشجع هلالي ـ يتبين ذلك من تغريداته ـ بإرسال رسالة إلى محترف النصر الجديد البرازيلي باستوس يحذره فيها من المجيء إلى السعودية لأنهم سيجبرون زوجته على ارتداء الحجاب مرفقاً صورة فتاة محجبة بالكامل، ويشير إلى أنهم سيجبرونه على أكل لحم الإبل.
وبعدها يشير ـ في أحد ردوده ـ إلى أنه عمد إلى ذلك لأنه في تحد مع صديقه النصراوي، والمفارقة العجيبة أنه عرّف نفسه بـ"مسلم عربي سعودي".
هنا القضية ليست صراعا نصراويا وهلاليا، ومناوشات جماهيرية معتادة، هنا سمعة وطن يتعرض يومياً لإساءات إعلامية في بعض وسائل الإعلام العالمية المغرضة، ويأتيه من يقف إلى صف هؤلاء المسيئين لبلادنا بدعوى أنها مزحة.
تصورت أن اللاعب أخذ رسالة هذا المشجع على محمل الجد، وأعتذر عن الحضور إلى السعودية مؤكداً أنه يرى صعوبة الذهاب إلى بلد يجبرون فيه الأجانب على تغطية زوجاتهم بالكامل، ويفرضون عليهم أكل لحم الإبل.
أية آثار سلبية ستنعكس اجتماعياً قبل أن تكون رياضياً علينا، ونحن من نتعرض لسهام المغرضين كل يوم، دعوا النصر والهلال وغيرهم جانباً، هم في الأخير أندية سعودية بعيداً عن تعصب مقيت شوّه رياضتنا بكل تعمد للأسف.
قبل عدة أسابيع كنا نقول إن لدينا بعض الأسماء التي خاطبت الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) برسائل خاصة عبر البريد الإلكتروني تضمنت الكثير من المغالطات والافتراءات التي كانت ستؤدي إلى تعليق النشاط الرياضي قبل انتخابات اتحاد الكرة ولكن للأسف لم يتم فضحهم، وظهر من يدافع عنهم بل ينكر فعلتهم في الأصل، والآن كيف سيكون تعاملنا مع مثل هذه العينات التي تضر سمعة بلد لا يستحق قسوة أعدائه وكارهيه فضلاً عن إساءاءات أبنائه الذي تحوّلوا إلى الخندق الآخر بدواعٍ تافهة إما لتصفية حسابات بحتة أو رغبة في كسب تحديات شخصية لا تعني المجتمع بأكلمه بل تسيء لمجتمعنا.
إجمالاً يقال إن الوعي ممارسة، وأُقسم أن هذا ما ينقص الكثير لدينا للأسف.