في فترة تذبذب فيها أداء المنتخب وتردت نتائجه واهتز مستواه بشكل لافت للنظر كتب أحد الزملاء وطالب البعض بتواجد إخصائي نفسي مع المنتخب؛ أو اختصاصي على الأصح على لغة الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-.. فجاء رد الفعل من أحد المسؤولين عنه آنذاك بأن لاعبينا ليسوا مجانين حتى نحضر لهم طبيباً نفسياً.
ربما كان فهماً خاطئاً من المسؤول ما طالبت به الصحافة الرياضية، أو خطأ الصحافة في عدم قدرتها على توصيل الرسالة بالشكل المطلوب، وأن هناك خلطاً بين الطبيب النفسي والاختصاصي النفسي، رغم الفارق الكبير بينهما على أن الخلط بين المفاهيم أو بين فهم الأطراف لا يلغي مشروعية المطالبة وأهميتها.
في زاوية الأمس، قلت: إن أنديتنا أشبه ما تكون بذوي المريض الذين يأخذونه للطب الشعبي قبل دراسة حالته أوعرضها على طبيب مختص أو مركز متخصص فتمارس "الكي" وهو آخر العلاج قبل أي علاج آخر رغم خطورته وتأثيراته الجانبية دونما دراسة للحالة من جذورها عندما تتردى نتائج الفريق أو يهبط مستوى اللاعب أو يتغير أداؤه بين النادي والمنتخب أو يشتهر بإضاعة الفرص رغم نجوميته داخل في الملعب... إلخ؛ حيث تلجأ الأندية أو المنتخب إلى إنهاء عقد المدرب أو إبعاد اللاعب أو.. أو.. بهدف امتصاص غضب الجماهير واستباق ردود فعلهم، مستخدمة ودون أن تعلم نظريات علم النفس وأبرزها "الإسقاط" دون أن تستخدم العلم الذي أوجد هذه النظريات.
"علم النفس الرياضي" هو علم قائم بذاته كغيره من العلوم ذات التأثير في حياة الأفراد والجماعات، لكننا وللأسف لا نهتم بهذا العلم ولا بالجانب النفسي للفرد أو للجماعة في حياتنا ومنها الرياضية سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات.
وإذا ما عرفنا أن علم النفس الرياضي يعني "فهم السلوك الرياضي وتفسيره ومعرفة أسباب حدوثه والتنبؤ بما سيكون عليه" لأدركنا أهمية وجود الاختصاصي النفسي في الفريق سواء كان نادياً أو منتخباً وفي أي لعبة فردية كانت أو جماعية.
قد لا يكون من الضروري وجود اختصاصي نفسي متفرغ في كل نادٍ ومنتخب لكن من الأهمية بمكان زرع ثقافة التعامل معه والتوعية بأهميته، وتبادل الزيارات معه حسب الحالة ونوعها فردية أو جماعية سواء في مكانه أو بحضوره للمعسكر بين فترة وأخرى وعند الحاجة لذلك.
اللاعب الذي يهدر الفرص أمام المرمى رغم نجوميته، ويتردد في التسجيل يعاني من عدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فالرياضي القلق والمتردد لا يمكن أن يحقق أي إنجاز مهما تلقى من التعليمات والتدريبات واللاعب الذي لا يبرز في المباريات المصيرية أو مع المنتخب ربما يعاني من رهبة الموقف، ويخشى مثل هذه المواجهات.
ومهما أعطى الجهاز الفني للاعب من تعليمات وتدريبات مكثفة والجهاز الطبي من تجهيز وعلاج والإداري من الكلام النظري والتوجيهات و(الدفع المادي) لا يمكن أن يعالج (الذات) وما تعانيه أو يعيش داخلها.
والحديث لا يقتصر على هذه الحالات حتى اللاعب أو الرياضي قد يعاني من مشاكل اجتماعية أو اقتصادية أو أسرية وغيرها تؤثر على عطائه وأدائه داخل الملعب.
كل تلك الأخطاء لا يمكن أن يصححها ويخرج باللاعب من دائرتها غير الاختصاصي النفسي، وأكاد أجزم أن كثيراً من إخفاقاتنا سواء في المنتخب أو الأندية وخروج بعض اللاعبين عن النص ليست لأسباب فنية وإنما لغياب دور ذلك الاختصاصي.
فهل نعي دوره أم نستمر في (شدوا حيكم) و(العلاج بالكي)..؟.
والله من وراء القصد،،،